تتجه العلاقات الروسية الإفريقية نحو مرحلة جديدة من التعاون السياسي والاقتصادي، مع انطلاق المحادثات الروسية–الإفريقية في القاهرة، حيث تستضيف العاصمة المصرية أول مؤتمر وزاري لمنتدى الشراكة الروسية الإفريقية يُعقد على الأراضي الإفريقية، بمشاركة وزراء خارجية وكبار المسؤولين من الجانبين.
ويهدف الاجتماع الوزاري إلى تقييم واقع العلاقات بين روسيا والدول الإفريقية، وبحث آفاق تطويرها على المستويين الثنائي ومتعدد الأطراف، في ظل تحولات دولية متسارعة تعيد رسم ملامح النظام العالمي.
وأكد وزير الخارجية الروسي أن منتدى الشراكة الروسية الإفريقية، الذي تأسس عام 2019، شكّل إطارًا مؤسسيًا لتعزيز التعاون، حيث عُقدت قمتان روسيتان إفريقيتان، الأولى في سوتشي عام 2019، والثانية في سانت بطرسبرغ عام 2023، إلى جانب اجتماعات قطاعية منتظمة في مجالات الأمن والطاقة والتجارة والتعليم والثقافة.
وأشار الوزير إلى أن هذا المسار التراكمي أسهم في تعزيز العلاقات الثنائية، وفتح قنوات جديدة للتنسيق السياسي والاقتصادي، بما يُكمل العلاقات المباشرة بين موسكو وعواصم القارة الإفريقية.
إرث تاريخي ودعم متواصل للسيادة الإفريقية
واستعرض وزير الخارجية الروسي الخلفية التاريخية للعلاقات بين الجانبين، مؤكدًا أن التقارب الروسي الإفريقي يستند إلى إرث دعم الاتحاد السوفييتي لحركات التحرر الوطني في إفريقيا، ومساندته لعملية إنهاء الاستعمار، إضافة إلى دوره في بناء مؤسسات التعليم والصحة والبنية التحتية في عدد من الدول الإفريقية.
وأضاف أن موسكو كانت من أبرز الداعمين لاعتماد إعلان الأمم المتحدة بشأن منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة، وهو ما ترك أثرًا دائمًا في الذاكرة السياسية للقارة الإفريقية.
عودة الزخم بعد مرحلة التراجع
ولفت الوزير إلى أن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 أدى إلى تراجع ملحوظ في وتيرة العلاقات، إلا أن مطلع الألفية الجديدة شهد عودة تدريجية للتعاون، وصولًا إلى ما وصفه بمرحلة جديدة من الصداقة الروسية الإفريقية، تتزامن مع ما تشهده القارة من سعي متجدد نحو السيادة الاقتصادية والسياسية.
وأكد أن روسيا ترى في هذا الحراك الإفريقي عنصرًا أساسيًا في بناء نظام دولي أكثر توازنًا، يقوم على تعدد الأقطاب واحترام سيادة الدول.
إفريقيا شريك في عالم متعدد الأقطاب
وشدد وزير الخارجية الروسي على دعم بلاده لحق الدول الإفريقية في اختيار مساراتها التنموية وشركائها الدوليين، معتبرًا أن القارة الإفريقية مؤهلة للعب دور محوري في النظام العالمي المتعدد الأقطاب.
وفي هذا السياق، دعا إلى تعزيز حضور إفريقيا في المؤسسات الدولية، ولا سيما في إطار إصلاح مجلس الأمن الدولي، كما رحب بتوسع مشاركة الدول الإفريقية في مجموعة “بريكس”، التي تضطلع بدور متنامٍ في تمثيل دول الجنوب العالمي.
الأمن والسلام والتنمية
وأكد الوزير أن روسيا، بصفتها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، تولي أهمية خاصة لقضايا السلم والأمن في إفريقيا، وتدعم مبدأ “حلول إفريقية لمشاكل إفريقية”، عبر المساهمة في تسوية النزاعات الإقليمية وتعزيز قدرات الدول الإفريقية على مواجهة الإرهاب والتحديات الأمنية.
وأشار إلى أن مجالات التعاون الرئيسية بين روسيا وإفريقيا حُددت في خطة عمل منتدى الشراكة للفترة 2023–2026، وتشمل الأمن والطاقة والتجارة والتعليم والعلوم والثقافة، بما يتوافق مع أجندة الاتحاد الإفريقي “رؤية 2063”.
توسع دبلوماسي وحضور متنامٍ
وكشف وزير الخارجية الروسي عن توسع الحضور الدبلوماسي لبلاده في القارة الإفريقية، حيث افتُتحت سفارات جديدة في النيجر وسيراليون وجنوب السودان، مع خطط مستقبلية لافتتاح بعثات دبلوماسية في غامبيا وليبيريا وتوغو وجزر القمر.
كما رحب بتوجه عدد من الدول الإفريقية، من بينها بوتسوانا وتوغو، لافتتاح بعثاتها الدبلوماسية في موسكو، معتبرًا ذلك مؤشرًا إضافيًا على تنامي العلاقات السياسية.
تعاون اقتصادي واستثماري
وعلى الصعيد الاقتصادي، أوضح الوزير أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الإفريقية تجاوز 27 مليار دولار خلال العام الماضي، مسجلًا نموًا بمقدار مرة ونصف مقارنة بعام 2019، مع العمل على تعزيز التبادل التجاري مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتوسيع الصادرات الإفريقية إلى السوق الروسية، واعتماد آليات تسوية مالية بالعملات المحلية.
وأشار إلى أن روسيا لا تنظر إلى إفريقيا باعتبارها قاعدة للمواد الخام، بل كشريك تنموي، مع استعدادها لتنفيذ مشاريع استثمارية تسهم في تطوير القدرات الصناعية، وتحسين مستوى معيشة السكان.
الغذاء والتعليم والتعاون الإنساني
ولفت الوزير إلى أن بلاده قدمت خلال العام الماضي نحو 200 ألف طن من القمح للدول الإفريقية الأكثر احتياجًا، إلى جانب دعم تطوير القطاع الزراعي من خلال تبادل الخبرات في مجالات الري، وإنتاج الأسمدة، والصيد البحري.
وفي المجال التعليمي، أكد أن أكثر من 32 ألف طالب إفريقي يدرسون حاليًا في الجامعات الروسية، مع زيادة عدد المنح الدراسية المخصصة لإفريقيا منذ عام 2020 لتتجاوز 5300 منحة.
وجاءت هذه المواقف ضمن مقال لوزير الخارجية الروسي نُشر بالتزامن مع انطلاق المحادثات الروسية–الإفريقية في القاهرة، حيث يعقد المؤتمر الوزاري الأول لمنتدى الشراكة الروسية الإفريقية على الأراضي الإفريقية، في خطوة تُمهّد لعقد القمة الروسية الإفريقية الثالثة المقررة عام 2026.
آفاق مستقبلية
واختتم وزير الخارجية الروسي بالتأكيد على أن روسيا تظل شريكًا تاريخيًا موثوقًا للقارة الإفريقية، وأن القيم الثقافية القائمة على التضامن والعمل الجماعي تشكل أرضية مشتركة لتعزيز التعاون طويل الأمد.
وأعرب عن ثقته في أن المحادثات الجارية في القاهرة ستمنح دفعة جديدة للشراكة الروسية الإفريقية، وتفتح آفاقًا أوسع للتعاون السياسي والاقتصادي والإنساني خلال السنوات المقبلة.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية