وثيقة أدبية تكتب حكاية المكان
الصباح
عن منشورات مرفأ في بيروت، صدر حديثاً “كتاب الوصايا – شهادات مبدعات ومبدعين من غزّة في مواجهة الموت”. وهو عبارة عن رصد حركة الحياة والموت وحبل الكتابة بينهما في مرحلة مفصليّة في التاريخ الفلسطينيّ الحديث: الحرب على غزّة.
يقدم كتّاب وكاتبات من غزة، من مختلف الأعمار، وصاياهم – شهاداتهم في لحظات مصيريّة تفصل بين صمودهم وموتهم تحت الأنقاض.
الكتاب فكرة وتحرير الشاعرة والمترجمة الفلسطينية ريم غنايم وتقديم الكاتب الأرجنتيني ألبيرتو مانغويل والناقدة الأمريكية جوديت بتلر.
يقول ألبرتو مانغويل أن هذا الكتاب بمثابة “بيان ضد الموت”، إذ يحاول تحليل ثيمة العنف ومواجهة الضحية مأساتها.
ويضيف: إن المأساة الكبرى التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لا يمكنُ وصفها بالكلمات. وحدهم الضحايا يمتلكون القدرة على نقل الظروف التي يعيشونها إلى من يشهدون هذه المأساة. ولكن حتى في تلك الحالة، حتى بلسان المتألمين، تخفق اللغة. تخفق لأنها في جوهرها محاولتنا العقيمة لإضفاء معنى على العالم، لرؤية عالمنا المربك هذا من خلال المنطق. لكن في الكوارث، كتلك الحاصلة في غزة، تقع الأحداث المأسوية خارج أي سبب منطقيّ يمكن تصوره.
وتحت عنوان “بين الأحياء والموت” تطرح جوديت بتلر عدة تساؤلات، من تخاطب هذه النصوص؟ هل من مستَمع؟ هل يمكن الوصول إلى العالم من خلال هذه النصوص؟ باللغتين الإنجليزية والعربية، تخاطب هذه الوصايا كل أولئك الذين لم يكونوا حاضرين هناك، أولئك المتواطئين وأولئك الذين وضعوا في حالة حداد.
وتتابع: هل يمكننا حتى أن نرى أنفسنا نتصرف وكأننا لا نرى ولا نعرف؟ كل كلمة من هذه الكلمات تطالبنا بالقراءة، بالإصغاء، وفقًا لشروطها، أو عبر ترجمتها، حتى يصير لا محال بأن نعرف ما عاناه الفلسطينيون تحت وطأة بطش القاذفات والقتلة الإسرائيليين. كلّ كلمة تطالبنا بالقراءة، بأن نركز انتباهنا على هذا الموت، هؤلاء الذين يعيشون على شبه يقين بالموت، أو الذين لم يعودوا يفهمون الآن ما يعنيه أن يكونوا على قيد الحياة في مواجهة عمليات القتل الوحشية التي تنثر أشلاء الأبرياء على أرض فلسطين. هذه كلمات موجهة للعالم، وكقراء، نحن نقف إلى جانب هذا العالم وواجبنا الوحيد هو أن نقرأ ونفهم، وأن نتدخل لوقف القتل، وأن نقف إلى جانب فلسطين في سعيِها إلى تحقيق العدالة والحرية.
ختاما، يقدم الكتاب وصايا تتضمن غضبًا، وتعلن براءة، وتصرخ في يأسٍ، وأخرى لا تزال تتشبث بخيط الأمل، أو أذعنت في سلام لموتها القادم، أو أذعنت لأمل قد لا يأتي. كتّابٌ وكاتبات يبتكرون رؤى داخل وصايا هي أشبه بوثيقة أدبية تكتب حكاية المكان لحظة الهجوم عليه.