خلود الفلاح
يقدم المترجم راضي النماصي في كتاب “مهنة الكتابة: ما تمنيت معرفته في بداياتي” شهادات لكُتاب من جغرافيات مختلفة. أمثال زيدي سميث، ومارك ليفي، وبول بيتي، وغراهام سويفت، وإلف شفق، وحنيف قريشي، وتوفه يانسون، وويلا كاذر، ودونالد ري بولوك، وهاروكي موراكامي، وستيفان زفايغ، ورايموند كارفر، وخابيير مارياس.
في هذا الكتاب الصادر عن منشورات (تكوين ـ الطبعة الأولى ـ 2023)، يقول راضي النماصي “لا تهدف هذه المختارات إلى وصفة محددة، وخلاص ينتهي إليه من يصبو النجاح في الكتابة، بل إنها تقول بتعقيد التجربة شأن تعقيد الحياة”.
في شهادة “ما يعتريك أثناء الحرفة” تتحدث الروائية البريطانية زيدي سميث عن صعوبة الحديث عن كيف أكتب؟ أو ماهي الطريقة المثلى للكتابة؟ وتضيف: حين يطلب أحد مني كتابة قصة، أحس أنه أعطاني كتلة من الحجر ومهمتي تحديد الشكل الذي أظنه بداخلها. وحتى لو كانت النتيجة سيئة وقبيحة، فإن ذلك الشكل هو ما رأيته صدقا في الداخل، ولا أحاول فرض رؤيتي على أحد.
تؤمن صاحبة رواية ” أسنان بيضاء “بأن لكل رواية كتاب، قواعدها، وساحة تدريبها، ومصنعها، وجمهوريتها المستقلة، وتضيف: لا أشعر أني أكتب عن الحرفة بصدق إلا حين تكون في بالي قصة أو رواية معينة، فإذا كتبت مثلا عن رواية المحاكمة لفرانتس كافكا سيكون لدي، بعض الكلمات الحقيقية لألعب بها”.
وتذهب الكاتبة الفنلندية توفه يانسون في شهادتها “عن حسبة الكتابة” إلى أنها لا يمكنها الكتابة في أي وقت وتحت أي ظرف، وتعتبر أن ذلك أمر غريب إذ يجب على الكاتب الكتابة عن أي شيء في أي وقت بنمط احترافي.
الطفولة والموسيقى
وتحدث المترجم راضي النماصي عن أن الكُتاب الواردة أسمائهم في هذا الكتاب رأوا في فعل الكتابة نفسه دافعا لمواصلة الحياة، دون أن يمنعهم ذلك من التفكير ب “خيال القارئ” شريكا في الكتابة، ولذا يعتمد الاستبدال والشطب والنقل والترتيب، مستهدفا الزمن والناس والوقع والتأثير.
وتنقلنا شهادة الكاتب الإنجليزي حنيف قريشي إلى الطفولة والموسيقى حيث يقول” كانت إحدى متعي في الطفولة مشاهدة نجوم موسيقى البوب الذين أحبهم يغنون على التلفاز، ولابد أنه قد خطر في بالي أثناء مكوثي قابعا في الضواحي أن نيل مقابل مادي لارتدائك ما تحب والتصرف مثلما تريد برغبة الضحك إلى الأبد أعظم المتع على الأرض. اعتقد تلك اللحظة تحديدا هي الوقت التي تخلقت فيه فكرة أن أكون كاتبا”.
ويشير الكاتب الياباني هاروكي موراكامي في شهادته ” إذ، عم سأكتب” إلى السؤال الذي يطرحه عليه القراء دائما، كيف يصير المرء روائيا؟ وهل هناك عادات وطقوس خاصة بالكتابة؟ ويكون رده” أعتقد أن أول ما على الروائي فعله هو قراءة الكثير من الروايات، ما من تدريب أكثر أهمية من ذلك. فلكتابة رواية، عليكم فهم كيفية كتابة واحدة على المستوى الحسي. هذه النقطة واضحة مثل الحقيقة الثابتة”.
ويشير راضي النماصي إلى أن أبرز ما يلحظه قارئ هذه المختارات أن لا أحد من كتابها يرى ما يراه آخر، أنهم يجمعون على أن العمل غاية وليس وسيلة. ورغم اختلافهم في الانطلاق من الحبكة أو من الشخصيات فإن إقرارهم بالتصفية والتحرير، في ما بعد لا غبار عليه. وسيدرك القارئ أن لكل منهم في التحرير شأنه إما استلهاما إما شطبا، وإما إلغاء لما كتب ولو صدر بعد عناء لمجرد أنه لا يستحق.