منصة الصباح

من سيرتي.. كتبت علاقتي في السلم الموسيقي

محيي الدين المحجوب

بيدٍ أليفةٍ

جُدلتْ ضفيرة

هذه النّهارات.

أفتتح نهاري مأهولاً بفخاخِ تأويلاته، شاعرٌ ينتمي للنّهار، عبد المنعم المحجوب، ابن أخي، تربّينا وكبرنا معًا، وسمّمتُ قلبه بذكرياتي، وهو أخي من الرّضاعة، فقد أحاطتني بوافر أمومتها والدته خديجة عبد السّلام، وهي بنت عمّتي الحاجّة حوريّة بنت الحاج المحجوب، امتلكتْ قدرة تفسير الأحلام، وكثيرًا ما رأيت والدي يستبشر بتأويلاتها المُعبّرة كما يقول اللّسان اللّيبي الفصيح.

تقرض الشّعر، ولها مرويّات في التّراث الشّعبي جمعت بعضها في كتاب.

وكانت وهي التي لم تلتحق بالمدرسة، تُعين ابنها عبد المنعم في أداء دروسه وأحيانا تكتب له واجباته، تُنقل الدّرس في الكرّاسة كما هو في الكتاب بحركاته وسكناته، طبق الأصل (دمغي).

وُلد عبد المنعم في صرمان، وقضى بعضًا من سنوات طفولته بطرابلس، درس الإعداديّة والثّانويّة بمدارس صرمان.

يقول في تقديمه لكتاب (السّومريّ الأخير)، حرّره الشّاعر التّونسي: وليد الزّريبي، وهو يفتح أعيننا على نتفٍ من سيرته: (في فترةٍ مُبكرةٍ قرأتُ “آلة الزّمن”، وكان عمري آنذاك إحدى عشر سنة).

وفي تقديمه لكتاب (غريب الوقت)، أحد مؤلّفات جدّه، كتب قائلاً: “كنت أرتادُ باب الشّيخ الجليل امحمّد المحجوب أُسمعه إذا استقرأني وأكتبُ إذا أملاني”، وأضاف: “كنت – رفق الشّاعر المُجيد محيي الدّين محجوب – نرعى مكتبة الشّيخ فنُصنّفها ونُرتّب أجزاءها”.

ظهرتْ ميوله الأدبيّة مبكّرًا، في الإعداديّة انخرط للّجنة الثّــقافيّة بالمدرسة وأصبح يُقدّم فقرات ثـقافيّة متنوّعة بالإذاعة المدرسيّة.

اجتاحتْ اهتمامنا مجلاّت الصّغار والكبار، وجلسنا سويًّا إلى بصيرةٍ في دروس والدي، وإلى إملاءاته اللّغويّة والصّوفيّة، وبعيدًا عن الضّجيج استيقظ الرّائي، رشّحه جدّه وهو يدّخر رؤاه لحالةٍ استثنائيّةٍ فأطلق عليه (الفيلسوف) استقراءً لمستقبل هذا الفيلسوف الصّغير.

امتلك هذا الاطلاق مؤهّل تحقيق هذه الرّؤية، فأصبح عبد المنعم يكبر في صيته الأدبي والفلسفي.

في مربوعته الصّغيرة (قريةٌ باتّساع الكون) نشأنا نصنع في جدران الزّمن ثقوبًا على الضّوء، وفي ضيقها احتشدتْ تجارب تستشعر الدّهشة.

فيها تهجّينا شراسة فكرةٍ، وفيها التقطنا أطراف معرفتنا، عرفَ أصدقائي وعرفتُ أصدقاءه، عرفَ طباعي الشّعريّة وعرفتُ اعتزازه بلسان العرب والتّراث الشّامخ والعابق كحدائق بابل.

فهل تُخبرني المربوعة الآن عن ساقيةٍ غذّتْ حياتنا؟!

وتماهيًا مع الزّيتونة التي أمام بيتي/بيته، تماثلت (تانيت) ربّة الزّيتون ومعبودة الليّبيّين حاضرة في دارٍ للدّراسات والنّشر تحرص أن ترصد رحلة الضّوء.

الآن، كلّما نظرتُ “في العمق” إلى تلك النّهارات، أُدرك أنّها أفرزتْ حليبًا نقيًّا.

في مذاق هذا الحليب، استثمرنا أوقاتنا، كنّا كمن يتحصّن من أورام الزّمن بالموسيقى.

شاهد أيضاً

مباريات الدربي

عبد الرزاق الداهش ——- قبل كل مباراة ديربي، ندخلُ في صداعٍ عن مكان المباراة، وتوقيتها، …