بقلم / ياسين محمد
ما يزال المشروع الفرنسي يتنفس من رئة القارة الأفريقية , فرنسا الحديثة إذا كانت تدين بالفضل لأحد ما فإنها تدين بالفضل لمستعمراتها السابقة وخاصة الكبرى في القارة الأفريقية ولعلنا لا ننسى أن الدولة الفرنسية في زمن ما من سنوات الحرب العالمية الثانية أعلنت عن نفسها من داخل هذه القارة كحكومة فرنسا الحرة بعد أن احتلت ألمانيا النازية الأراضي الفرنسية وأُعلن تنصيب حكومة فيشي كحكومة فوق الأراضي الفرنسية بينما انطلقت المقاومة الفرنسية من المستعمرات الفرنسية الإفريقية إلى الأراضي الفرنسية وساندت الشعوب القابعة تحت الاستعمار في حربها وصاروا وقودا لهذه الحرب وعلى رأسها دول مثل الجزائر وتونس والسنغال وغيرها من دول جنوب الصحراء والتي كانت تقع تحت طائلة الاستعمار الفرنسي الذي أورثها حتى لغته وثقافته وليحارب اليوم من أجل ألا تتخلى هذه المستعمرات القديمة عن اللغة الفرنسية منتجا عديد البرامج والتسهيلات والدعم لكي لا تتخلص هذه الدول من الفرنسية نحو لغة أكثر انتشار عالميا وهي خطة كانت في الأصل تهدف إلى مسح ثقافة هذه المستعمرات بالكامل بل أن فرنسا لا تزال تحتفظ برفات الجنود الأفارقة الذين حاربوا ضدها كمستعمر والذين حاربوا إلى جانبها كمقاومين شاركوا في الحرب ضد ألمانيا النازية وتاريخ تلك الحقبة يشهد على ذلك وهو ينطبق أيضا على بريطانيا التي زجت بأبناء المستعمرات البريطانية في حربه ضد النازية ثم تنكر الجميع لأبناء هذه المستعمرات الذين دفعوا ثمن حصول هذه الدول على نصرها ضد النازية , لقد جندت كافة موارد هذه الدول حينها الاقتصادية والبشرية ليدفع بها في آتون الحرب الأوربية بل أنهم جروا بعض الحروب إلى ساحة الدول الإفريقية كليبيا وتونس والجزائر لتعاني هذه الدول إلى الآن نتائجها من ألغام وتشوهات على أراضيها خاصة تلك التجارب النووية التي أجرتها فرنسا على الأراضي الجزائرية فرنسا التي لا تريد حتى اليوم تقديم اعتذارها للدولة الجزائرية ولكافة مستعمراها السابقة ولتعلو بعد ذلك بعض الأصوات الداعية إلى منح هذه الدول استقلالها وإنهاء الحقبة الاستعمارية التي لا تزال آثارها ظاهرة على هذه المجتمعات سواء على مستوى اللغة أو الثقافة أو التبعية الاقتصادية ,
فرنسا اليوم لا تزال تحتفظ بهذه الذاكرة وتنعشها بين الحين والآخر ولا أسهل وهي التي تركت لغتها بين أيدي هذه الشعوب ولم تبذل الكثير من الجهد ليحتفظ أبناء هذه الشعوب بلغتها لغة المستعمر القديم , واليوم وفرنسا تعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية محليا وخاصة وهي تحاول وضع بعض الإصلاحات على بعض القوانين المحلية من ضغوطات تظاهرات السترات الصفراء وحتى إضرابات نقابات النقل الفرنسية وتوقف حركة النقل نتيجة هذه الإضرابات وناهيك عن الوضع الأوربي عموم وخاصة مع بوادر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي ولتتحمل كل من فرنسا وألمانيا تبعات قيادة هذا الاتحاد .
ومن وقت لآخر تنتهز فرنسا ظهورها على القارة الإفريقية لتقول بأن الاستعمار كان فكرة سيئة كما حدث في زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة إلى الساحل الغربي الإفريقي في الكوت ديفوار ففي هذه الزيارة نرى الرئيس الفرنسي يعود مجددا إلى القارة الأفريقية بدعوى مشاركة الجنود الفرنسيين احتفالات أعياد الميلاد وليقول أن الاستعمار كان خطأ جسيما ولكن المسكوت عنه سياسيا هو أن هذه القارة طالما حلت مشاكل الدولة الفرنسية الداخلية وأن ساسة فرنسا الذين كانوا داعمين للزراعة والصناعة الفرنسية القوية نسبيا والاقتصاد الفرنسي إنما صنعوا كل ذلك على حساب الثروات الإفريقية التي وان لم يستحوذوا عليها بالاستعمار المباشر إلا أنهم راهنوا على موروثهم الاستعماري الثقافي والاقتصادي الذي ربط دول القارة الفقيرة بالمستعمر القديم .