منصة الصباح

من‭ ‬يذكرنا‭  ‬بحرق‭ ‬الكتب؟

كاميرا‭ ‬خلفية

بقلم /فوزي‭ ‬البشتي

كلب‭ ‬منصور‭ ‬بو‭ ‬شناف‭ ‬الذهبي،‭ ‬يذكرنا‭ ‬بحرق‭ ‬الكتب‭ ‬الذي‭ ‬اقترفناه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬الشهداء‭ ‬بمدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬وتبعناه‭ ‬بحرق‭ ‬الآلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬أيضاً‭ ‬وهو‭ ‬مشهد‭ ‬كدنا‭ ‬ننساه‭ ‬فيما‭ ‬نسيناه‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬أرتكبناها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نخجل‭ ‬وقد‭ ‬روى‭ ‬لنا‭ ‬منصور‭ ‬بوشناف‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتداخل‭ ‬الحكايات‭ ‬بأسلوب‭ ‬شعري‭ ‬قصة‭ ‬هروب‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬المحرقة‭ ‬وماعاناه،‭ ‬وكيف‭ ‬كان‭ ‬يغير‭ ‬غلافه‭ ‬وعنوانه‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬ومن‭ ‬قرية‭ ‬ألى‭ ‬أخرى،‭ ‬كان‭ ‬الكتاب‭ ‬الهارب‭ ‬ثقيل‭ ‬الوزن،‭ ‬وماكان‭ ‬بأمكان‭ ‬الرياح‭ ‬أن‭ ‬تحمله‭ ‬لذا‭ ‬ظل‭ ‬يزحف‭ ‬على‭ ‬بطنه‭ ‬كسلحفاة‭ ‬عجوز‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مكب‭ ‬القمامة،‭ ‬وأخفى‭ ‬جسده‭ ‬المتهالك‭ ‬تحت‭ ‬القمامة‭ ‬لتفاجئه‭ ‬النار‭ ‬منتصف‭ ‬الليل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أشعل‭ ‬عمال‭ ‬النظافة‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬كوم‭ ‬القمامة‭.. ‬عفواً،‭ ‬فقد‭ ‬أعجبني‭ ‬هذا‭ ‬المشهد،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬لنا‭ ‬منصور‭ ‬بوشناف،‭ ‬‮«‬بالقطارة‮»‬‭ ‬ولاندري‭ ‬متى‭ ‬يدفع‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬النشر‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة،‭ ‬محرقة‭ ‬الكتب‭ ‬و«جلد‮»‬‭ ‬الغزالة‭ ‬وانتزاعها‭ ‬من‭ ‬ميدانها‭ ‬العريق‭ ‬وتشييع‭ ‬جنازتها‭ ‬في‭ ‬موكب‭ ‬حزين‭ ‬لم‭ ‬يحضره‭ ‬أحد‭ ‬سوى‭ ‬الرياح‭ ‬والدبابيس‭!!‬
شكراً‭ ‬منصور،‭ ‬رغم‭ ‬أنك‭ ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مسرح‭ ‬الغزالة‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬اقتلاعه‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭!!‬
ذاكرة‭ ‬منصور‭ ‬بوشناف‭ ‬الباهرة‭ ‬ذكرتني‭ ‬بجملة‭ ‬محشورة‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬ممتع‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬القراءة‮»‬‭ ‬لكاتب‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬البرتومانجويل‮»‬‭ ‬الكتاب‭ ‬بترجمة‭ ‬سامي‭ ‬شمعون‭ ‬‮«‬بيروت‭ ‬دار‭ ‬الساقي2001‮»‬‭.. ‬يقول‭ ‬المؤلف‭ ‬‮«‬إن‭ ‬النظم‭ ‬الشمولية‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تخشى‭ ‬القراءة‭ ‬وتحرق‭ ‬الكتب،‭ ‬فحتي‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬المدارس،‭ ‬وفي‭ ‬خزائن‭ ‬الملابس‭ ‬وفي‭ ‬دوائر‭ ‬الدولة‭ ‬والسجون‭ ‬تجري‭ ‬مراقبةالقراء‭ ‬بعين‭ ‬الارتياب‭ ‬نظراً‭ ‬لما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬القراءة‭ ‬وقوتها‭ ‬الكامنة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكتاب‭ ‬والقارئ‭ ‬علاقة‭ ‬مفيدة‭ ‬ومثمرة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تعتبر‭ ‬علاقة‭ ‬مترفعة‭ ‬ورافضة‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬مشهد‭ ‬قارئ‭ ‬الكتاب‭ ‬وقد‭ ‬انزوى‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأركان‭ ‬ونسي‭ ‬العالم‭ ‬المحيط‭ ‬به‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬جو‭ ‬شخصي‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للاقتحام‭ ‬وإلى‭ ‬نظرة‭ ‬منطوية‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬وتصرف‭ ‬أناني‭..  ‬يقول‭ ‬المؤلف‭ ‬وهو‭ ‬يتأمل‭ ‬ذلك‭ ‬الخوف‭ ‬المستشري‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يفعله‭ ‬القارئ‭ ‬بكتابه‭ ‬والذي‭ ‬يشبه‭ ‬الخوف‭ ‬الازلي‭ ‬الذي‭ ‬يبديه‭ ‬الرجال‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬تفعله‭ ‬النساء‭ ‬بالاجزاء‭ ‬المخفية‭ ‬من‭ ‬أجسادهن،‭ ‬ومما‭ ‬قد‭ ‬تمارسه‭ ‬الساحرات‭ ‬ويزاوله‭ ‬الكيميائيون‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬وراء‭ ‬الأبواب‭ ‬الموصدة‭ ‬لمطايخ‭ ‬سمومهم‭ !!.‬‭. ‬تاريخ‭ ‬القراءة‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬مثير،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬يروي‭ ‬سيرة‭ ‬التحرر‭ ‬الذي‭ ‬يبديه‭ ‬كل‭ ‬قارئ‭ ‬ولا‭ ‬لأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬القراءة‭ ‬ضرورية‭ ‬مثل‭ ‬التنفس‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬لأنه‭ ‬يحكي‭ ‬تاريخ‭ ‬القراء‭ ‬العاديين‭ ‬بجوار‭ ‬روايته‭ ‬لتاريخ‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬انتقلت‭ ‬به‭ ‬القراءة‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬يعلن‭ ‬به‭ ‬القراء‭ ‬الانتماء‭ ‬إلى‭ ‬الجماعة‭ ‬المغلقة‭ ‬إلى‭ ‬طريقة‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الذات‭ ‬وخصوصيتها‭ ‬تحت‭ ‬ركام‭ ‬المعرفة‭ ‬العمومية‭ ‬المستبدة‭.‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …