أحلام محمد الكميشي
تضمنت أسئلة مادة التاريخ لشهادة إتمام التعليم الأساسي هذا العام، أسئلة (صح-خطا) مثل (كان أحمد الشريف وصيًا على محمد إدريس ومحمد الرضا بعد وفاة أبيهم)، (لقب محمد باشا القرمانلي 1687-1701 بشايب العين وكان خيّرا نقيا نزيهًا)، وأسئلة (اختار) مثل (ذهب السيد إدريس السنوسي إلى الحج أواخر 1912م-1916م-1913م-1915م)، (استمر أحمد باشا القرمانلي في الحكم نحو 35 سنة-34 سنة-25 سنة-33 سنة)، (هاجر أحمد الشريف إلى الحجاز وتوفي بها ودفن بمقبرة البقيع عام 1934م-1933م-1922م-1932م)، ولا أعرف ماذا سيستفيد الطلبة من معرفة وحفظ هذه الأرقام وما هو معيار أهميتها كي تتضمنها أسئلة امتحانات شهادة تعليمية مهمة، وماذا سيؤثر علم الطالب أو جهله بها في مستقبله العلمي والمهني ومستقبل البلاد التي سيتوزع طلبتها اليوم بين مختلف المهن والمسؤوليات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية مكونين شكل ومكانة ليبيا بعد سنوات.
في أبريل 2016 تم الإعلان عن اتفاقية لترسيم الحدود بين السعودية ومصر وبموجبها ضمت السعودية جزيرتي (تيران) و(صنافير)، فعارضها الرأي العام المصري بشدة وخرجت الجموع حاملة منهج مادة “الدراسات الاجتماعية” للصف السادس الابتدائي والذي حرص واضعوه من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية على ذكر الجزيرتين ضمن الجزر المصرية بالبحر الأحمر فدرست أجيال من المصريين أن الجزيرتين أراض مصرية ورسخ في عقيدتها عدم التخلي عن أي منهما، حتى أن المحامين ضمّنوا وثائقهم المقدمة للمحكمة للطعن على الاتفاقية نسخة من المنهج المدرسي المشار إليه، والذي تم لاحقًا حذف ما يشير للجزيرتين فيه.
في مطلع الألفينيات انتقد الصحفي الراحل ورئيس تحرير صحيفة (الشط) “محمد طرنيش” فقرة وردت في منهج مدرسي مصري وجد فيها إهانة للمواطن الليبي وتحريضًا عليه متسائلا عن سبب تعليم تلاميذهم ما يسيء لمواطني دول الجوار كون العلم في الصغر كالنقش على الحجر، والقصة معروفة إذ لامه البعض وتخوفوا من ردة فعل القائد “معمر القذافي” الحريص على سلامة العلاقات الليبية المصرية، فأخرستهم رسالة شكر وتقدير من السفارة المصرية موجهة للصحفي الشجاع مؤكدة العمل على حذف الفقرة من المنهج المدرسي حرصا على العلاقات الودية بين البلدين، ولم يتدخل القذافي في هذا الموضوع.
الشاهد أن المناهج المدرسية توضع لأهداف منها على سبيل المثال تعزيز الشعور بالهوية الوطنية وتعميق الحس الوجداني والمعرفي بالوطن بكامل ترابه وتعزيز الانتماء، والتعريف بأحداث التاريخ بموضوعية تساهم في خلق أجيال حاضرة الوعي وليست مغيبة بالهوامش، بهدف أن تتخذ القرار الصح في الوقت الصح لمصلحة الوطن عندما تكون في مقام صناع القرار، ولابد أن تتصدر هذه المناهج أسماء واضعيها ومراجعيها وصفاتهم لا أن يُكتب في مقدمة الكتاب عبارة فضفاضة (وضعه نخبة من الأساتذة والمختصين) فلا يمكن معرفة من يتحمل المسؤولية ويخضع للمحاسبة.
إن نظرة بسيطة على أي من المناهج التعليمية بدول الجوار سيتضح معها البون الشاسع بين ما يتعلمه تلاميذهم وما يتعلمه تلاميذنا ويمكن معها ببساطة التنبؤ بما سيكون عليه مستقبل بلدانهم ومستقبل بلادنا.