جمال الزائدي
مستوى الهمجية والتوحش الذي وصل إليه مجتمعنا ومانشهده من جرائم قتل و وخطف وسحل وتعذيب يتورط فيها أحيانا أطفال ومراهقين لم يبلغوا سن الحلم ..مؤشر خطير لمرض مزمن لايجوز تجاهله أو التعامل معه بدس الرؤوس في الرمال كعادتنا التي أدمناها ..
ان تقتل فتاة في عمر الورد قريبتها الرضيعة احتجاجا على مصادرة والدها لهاتفها..أو ان تلجأ عمة لاغراق ابن شقيقها في خزان المياه بسبب خلافات مع امه ..أو ان يصحو الجيران في قلب العاصمة ليجدوا ان عائلة كاملة قد تم ذبحها دون أن ينتبه أحد.. هذا يعني بلا مبالغة يقتضيها لفت الإنتباه ، ان حياتنا صارت عبارة عن فيلم رعب تجاري من ذلك النوع البائس من الأفلام التي تنتج استديوهات هوليوود عشرات منها بميزانيات رخيصة..
الأسباب الممكن استدعاؤها لتفسير هذه الدموية والعنف المفرط الذي يجتاح حياة الليبيين من المدنيين غير المنخرطين في أعمال مسلحة كثيرة وقد لا يسعفنا الوقت ولا المساحة لتعديدها كلها ..لكن لاشك أن على رأسها تأتي تلك السنوات العجاف التي عاشتها البلاد في ظل اضطرابات أمنية وسياسية وحروب متقطعة ومتصلة طوال أكثر من عقد شردت فيه آلاف العائلات عن بيوتها وعاش أفرادها ومن بينهم أطفال ويلات النزوح وتعرضوا لمشاهد مروعة من القتل والدمار تكفي لإحداث اضطرابات نفسية وعقلية لدى مقاتلين محترفين ما بالك بأطفال ونساء ورجال مسالمين غير مدربين على مواجهة هذه المآسي ..
اذكر انه من سنتين أو أكثر نشر أحد المراكز العلمية البريطانية تقرير جاء فيه أن حوالي 60 % من الليبيين يحتاجون إلى دعم أو علاج نفسي وعقلي جراء الحروب..
غير هذا العامل الرئيسي ثمة جرعة كبيرة من العنف والتوحش تبثها السوشيال ميديا وتصل دون رقابة إلى أطفالنا وشبابنا تساعد على تفريغ عقولهم وإعادة شحنها بالكثير من اللامبالاة والاستهتار بالقيم الإنسانية ..
علاج هذه الظاهرة التي تكاد تستفحل لتصبح مرضا مجتمعيا لن نجده في وصفة يكتبها طبيب نفسي أو معالج إجتماعي.. لكن العلاج يمكن أن يبدأ من هنا من داخل الأسرة وفي المدرسة التي تحتاج إلى تفعيل دورها التربوي من خلال عودة تدريس الفنون الجميلة والموسيقى والمسرح للارتقاء بوجدان وأخلاق وسلوك الناشئة وتطوير حسهم الإنساني..والله المستعان ..