مفتاح قناو
تتزايد الأصوات التي تنادي بقيام نظام فدرالي في ليبيا، وهم في تصورهم أن تطبيق النظام الفدرالي سيقضي على التهميش الذي يعيشونه حاليا، وفي هذا الموضوع يمكننا أن نرحب بأي نظام فدرالي يحقق العدالة بين الليبيين، لكن بشرط صغير وبسيط هو أن هذا النظام الفدرالي لا يكون أساسا لتفتيت الدولة الليبية أو تعميق الخلافات وزيادة الضغائن بين الليبيين.
القضاء على التهميش في كل المناطق والمدن الليبية هو مطلب للجميع حتى لسكان العاصمة التي يعتقد البعض أنها بعيدة عن التهميش، فالتهميش ليس مناطقي فقط بل هو مناطقي وقبلي و حزبي وطائفي، فهناك فئات كثيرة من سكان العاصمة مهمشين لأنهم لا ينتمون لقبائل بعينها، وهناك أشخاص من واحات بعيدة في عمق الصحراء لكن لديهم كل الامتيازات لأنهم من قبائل متنفذة يستطيعون الوصول من خلال عصبيتهم إلى كل ما يريدون، وهناك طوائف ذات توجهات دينية محددة يمتلكون كل شيء حتى لو كانت أصولهم من خارج ليبيا، وهناك تجمعات ترتدي الزي العسكري شرقا وغربا يمكنها أن تستولي على ما تشاء دون رقيب أو حسيب، أو حتى اعتراض شفوي.
مسألة ( العدالة في توزيع الثروة ) كما يسمونها، و انا لا أفضل هذه التسمية بل اسميها ( العدالة في توزيع الفرص )، لأنه من العدالة أن نعطي فرص متكافئة لتحقيق الثروة من خلال المشاريع الاقتصادية المدروسة وليس توزيع عائدات النفط على أشخاص يقومون بصرفها فيما لا يعود على تنمية المجتمع بشيء .
حل مشكلة المجتمع الليبي الصغير والبسيط تتركز في التنمية وليس في الفدرالية، لأنه يمكن إقامة نظام فدرالي وتبقى به نفس المشاكل الحالية من استيلاء القطط السمان على الثروة، لأن التنمية المتوازية في كل مناطق ليبيا هي أساس الحل ، ففي تصورنا لو يتم بناء وإقامة ( مراكز حضرية متكاملة ) ونقصد بها مدن متكاملة في الشرق والجنوب بكل ما تحتوي من مطارات دولية للترانزيت وتجارة العبور، ومجمعات سكنية وخدمية وصناعية كاملة، وفنادق سياحية على درجة ممتازة تهتم بالسياحة التاريخية والصحراوية، والتشجيع على الزراعة الممكنة لإنتاج الغداء، وإقامة مصانع خاصة لتعليب الخضر والفواكه والتمور، فأن ذلك سيكون أول درجات مقاومة التهميش والانتصار عليه، لأننا لا نستطيع هزيمة التهميش في ظل الاقتصاد الرّيـعي الحالي المبني على بيع النفط وتوزيع عائداته مرتبات على 7 مليون ليبي، فمقترح إقامة نظام فدرالي لن يغير كثيرا، إذا استمرت نفس الوجوه وأمثالهم من الحذاق الذين يحتلون المؤسسات الإدارية العامة للدولة كيف ما كان النظام القائم يلتهمون الميزانيات الريعية ويتلاعبون بقوت المواطن.
إذن البناء والتنمية الحقيقية في كل المدن هي أساس مقاومة التهميش، لذلك لا ينبغي مطالبة الحكومة (بتوفير الحاجات)، بل ينبغي المطالبة ( بتوطين صناعة الحاجات ) حتى يمكن للحياة أن تستمر ويمكن الاعتماد على النفس في توفير تلك الحاجات، وتوقف سيل الهجرة المحلية من المناطق عديمة التنمية إلى المدن المكتظة بالسكان، وسنرى بعدها بداية الهجرة العكسية وتعمير مناطق الظل، لهذا يعتبر بناء مدن متكاملة في المناطق قليلة التنمية ضرورة مُـلحة لتحقيق الاستقرار والتنمية والقضاء على التهميش.
ما ينطبق على الشرق والجنوب ينطبق على كامل البلاد الليبية، فيجب أن تكون بنغازي عاصمة كبرى، ليس فقط بالمفهوم السياسي فقط، بل بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي وهو الأهم لحياة الناس، وينبغي توطين التقنية فيها، وأن تصبح مركزًا كبيرًا لتجارة العبور، ويكون مطارها مطارَا عالميَا مربوطًا برحلات دولية شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.
الاستمرار في التوزيع النقدي لعائدات النفط الليبي دون تنميةَ هو ( انتحار جماعي ) لكل الليبيين.