مفتاح المصباحي
كثُرَ الحديثُ في الأونةِ الأخيرة عن المصالحة الوطنية، وصاحب ذلك لقاءات ومؤتمرات وتصريحات، وتشكيل لجانٍ لدراسة تشكيل لجان، ومنظمات دولية وسُفراء ومبعوثين، يٌدلون بدِلائهم المليئة فتنة ونفاقا..
بيدَ أن الحاضر لأي مناسبة اجتماعية، ببيت أي مواطن ليبي بسيط، يعي تماماً أن لا وجود لخلافٍ أو تنازعٍ بين الليبيين، ليتم البحث عن مصالحة تجمعهم..
وكارثة درنة، ورالي ودَّان أعطيا الصورة الحقيقية عن الشعب الليبي، بكافة أطيافه، ومن مختلف مناطق ليبيا القارة، المتصالح مع ذاته، ومع بعضه، ولا وجود إلا للحب والود والتعاضد بينهم..
وكثيرٌ ممن يعتلون المنابر، ويحبون الظهور في دعواتهم إلى المصالحة، يُناقضون أنفسهم، ويُظهرون ما لا يُسرّون، أم أنهم عن الواقع مُعمهون..
فكيف لنا أن نُطالبَ بتأسيس دولة مدنية، أساسها القانون غطاء للجميع، وحاكماً بينهم، في الوقت الذي نسعى فيه لإيجاد أجسام يتنافى وجودها مع تطبيق القانون، كمجالس “الحكماء والأعيان”، الذين لا عمل لهم إلا الزيارات واللقاءات، والتأييد، والثناء، وهي مجالس وريثة لما كان يّسمَّى “القيادات الشعبية”، وهي أيضاً ظاهرة لا تتماشى مع العصر الحديث، ولا الدولة الوطنية الحديثة..
فإذا كان الاقتناع بضرورة وجودها، لِمَ كل هذا التعب والعناء والتحارب، من أجل إيجاد حكومات وتقسيم وزارات وصرف ميزانيات، فلنعمل إذن على تقسيم ليبيا إلى قبائل، ويتم تنصيب مجلس لكل قبيلة، وتقسَّمٌ الميزانية العامة بين القبائل، وكل مجلس قبيلة حرٌ فيما يفعل..
إن ما تحتاجه ليبيا، ومطلباً أساساً للشعب الليبي كافة، هو تفعيل وسنّ القوانين، المنظمة لسير المجتمع، والضامنة لحقوق أفراده، والمبينة لواجباتهم، والمطبَّقة على الجميع دون استثناء..
أما المصالحة فهي ليست بين أفراد الشعب بفسيفسائه المتناسقة المنسجمة، بل بين أصحاب المصالح الساعين للحكم والتفرّد به، فحين يتفق أولئك لن تكون هناك خلافات ولا تحارب، ولا حاجة حينها لما يُسمّى بالمصالحة..