أشرعة
بقلم / جمال الزائدي
كل واحد منا في حياته شخص، قريب ، أو صديق، أو زميل متدين.. تظهر علامات التقوى في شكله وطريقة كلامه .. غالبا مایکون طيب المعشر يجيد فن المخالطة وفن الجدال.. قادر بأسلوب ترديده لمقولات وفتاوي ذات جرس أن يقنعك بأن العصيدة حرام وقيادة المرأة للسيارة حرام والتصوير حرام وفوق ذلك يمكنه أن يشعرك بالاشمئزاز من نفسك لأنك تدخن ولاتعفي لحيتك وتحف شاربك ولا ترتدي إزارا أفغانيا يكشف نصف ساقيك النحيفتين کساقي جرادة ..وهو نفسه يمكنه أن يغشك ببيع سيارة معيبة أو سلعة منتهية الصلاحية أو يماطل في تسديد دين مستحق أو يأكل عليك حقك المشروع في ميراث مشترك أو يفجر مدرسة أطفالك بدعوى محاربة الطاغوت ..هذا النصاب « الاخلاقي « مصاب بمرض إنعدام الحس السليم يحتاج للعزل الاجتماعي قبل العزل الصحي هذا إذا كنا ننتمي لثقافة غير سقيمة .. لكن المشكلة أن مرضه ليس نتاج خلل هرموني أو طفرة جينية بل خلل في فهم الدين عمره مئات السنين بدأ منذ تحول النص من منهج تفكير في الحياة إلى برنامج عمل سياسي يسعى للسلطة والثروة..
التوظيف الديني لأغراض براغماتية على مستوى الأفراد ليس هو الأخطر بل لعله تفريع ثانوي لمشروع إيديولوجي إستغل الدين في خدمة الهيمنة والاستغلال الذي حكم تاريخ البشرية منذ ظهور الاقطاع البدائي وحتى ظهور الرأسمالية المتوحشة في لحظتنا هذه ..
إن الدين كنظام معرفة وفهم، هو مشترك إنساني شأنه شأن القيم والمثل العليا التي تشكل الضابط القيمي والأخلاقي في حياة المجتمعات وحياة الانسان الفرد وترتقي بروحانيته وعقلانيته إلى المصاف الأسمى التي تضعه فوق مستوى بقية الكائنات وترسل ملكاته عبر أفق لامحدود من حرية التعبير والتفكير والابداع ..لكنه تحول عن غايته الأساسية على يد زمرة من الكهنة المأجورين ليصبح أداة فعالة للسيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية، وتدجين الانسان لمصلحة السلطة الزمانية ممثلة في الملوك والزعماء ومدراء الشركات وأصحاب الثروات .. رجال الدين هؤلاء من أيام معبد آمون في مصر القديمة حاولوا إنتحال صفة الله عز وجل» عبر مشاركته في كل ما أختص به ذاته ، فهم لايكتفون بإدعاء الإطلاع على النوايا وماتخفي الصدور، ومناهضة ما ينتجه العقل من علوم ومكتشفات في الحياة الدنيا .. ولكنهم ينازعونه في أعمال اليوم الآخرة إذ يوزعون صكوك الجنة وتذاكر جهنم بما يتلائم مع مواقعهم في الصراع الاجتماعي ووجهات نظرهم في الخير والشر..مستغلين خوف الناس وجهلهم بالوظيفة الأخلاقية للدين في تاريخ البشرية .. إنهم يقفون بين القلوب والعقول وبين الحقيقة الأسيرة في كتب ومخطوطات وقراءات بدائية تجاوزتها الأزمنة الحضارية والفكرية –لا نفع منها وفيها غير تكريس الحكم بجهل العوام ، والاعلاء من شأن المشعوذ الذي يحتكر معرفة فك طلاسمها ورموزها الخرافية عن طريق توريط المطلق في النسبي والسماء في التاريخ..
المفارقة أن إقتباس المعالجة الغربية « المسيحية» للمسألة الدينية – حسب مايري الجابري في نقد العقل العربي – والتي أفضت في النهاية إلى إختصار مجال فاعلية الدين داخل دور العبادة ..غير متاح بالنسبة لنا، لسبب وحيد وهو إفتقار تجربتنا الفكرية والثقافية ، التراث عقلي فلسفي مستقل عن الاسلام ، كما هو الحال في التجربة الأوروبية الغربية..