منصة الصباح

 مـعـطـن الســارة  2       

حـديـث الثـلاثـاء

                                                             مفتــاح قنــاو

 

كانت طائرة النقل العسكري (اليوشن 76) تخترق الأجواء الباردة في الشمال باتجاه الجنوب الشرقي حيث معطن السارة، الواحة الأخيرة قبل الحدود التشادية، والمعطن حسب لسان العرب هو (مَبركُ الإبل أو مربض الغنم حول الماء).

كان معطن السارة ــ على مر الزمن ــ استراحة لتزويد القوافل المتوجهة إلى السودان الشرقي والسودان الأوسط بالماء، وقد تم تحويله في الثمانينيات إلى أكبر قاعدة جوية في جنوب شرق البلاد.

تحمل الطائرة بجوفها المعدات العسكرية المطلوبة، وبعض العسكريين العائدين إلى مقرات عملهم، وتنقل بشكل استثنائي الشيخ بن عمر رئيس حكومة الوحدة الوطنية التشادية المدعوم من النظام الليبي ومرافقيه، والذي اتضح فيما بعد بأن له مقرا رسميا ضمن مقرات قاعدة السارة الجوية.

كان الانفعال يظهر واضحا على وجوه أعضاء الطاقم الجوي الذي لم يبتعد أفراده عن مكان جلوسنا، وكان تبادل الحركة بينهم مستمرا برغم انشغالهم بوظائفهم الفنية، فيما كنت منتبها لكل ما قد يبدر من المسؤول التشادي ومرافقيه، الذين التزموا الصمت الكامل وانعدام الحركة لعلهم بخبرتهم أدركوا ما سببه رفضهم التفتيش من قلق للطيار ومساعديه.

لم نتمكن من مشاهدة بحر الرمال العظيم لعدم وجود نوافذ بطائرة الشحن العسكري، و لتأخر الوقت فقد غربت الشمس ونحن في منتصف الطريق.

مع اقتراب التاسعة مساءً بدأ الطيار إجراءات الهبوط، بفتح منظومة عجلات الطائرة، وبالاقتراب من الأرض وسط عاصفة رملية كبيرة، ناور الطيار خلالها أكثر من مرة ليتمكن من رؤية المدرج وأن يهبط عليه بسلام.

توقفت الطائرة في مكان شبه مظلم، وجاءت سيارات القوات الصديقة لنقل رئيسهم.

لم يسبق لي السفر إلى هذه الواحة، ولا أعرف طريق الوصول إلى قريتها السكنية، وقد تكفل أصحاب السيارات العسكرية الذين هرعوا باتجاه الطائرة بنقل الجميع إلى القرية السكنية الصغيرة حيث توجد إدارة القاعدة.

لم تهدأ العاصفة الرملية تلك الليلة حتى الصباح، وقد كانت أخبار المعارك في وادي الدوم مقلقة للجميع.

 

نواصل الحديث الثلاثاء القادم

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …