منصة الصباح

معضلتي‭ ‬مع‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا

زايد‭..‬ناقص

بقلم /جمعة‭ ‬بوكليب
أنا‭ ‬أغبط‭ ‬الكتّاب‭ ‬الصحفيين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬العمود،‭ ‬أو‭ ‬الزاوية‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭. ‬فهم‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬مواهب‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬الخوض‭ ‬بتعليقاتهم‭ ‬وبآرائهم‭ ‬فيما‭ ‬يستجدّ‭ ‬من‭ ‬حولهم‭ ‬من‭ ‬أحداث‭. ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬عملاً‭ ‬سهلاً،‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬البعض،‭ ‬لأنه‭ ‬يعني‭ ‬المتابعة‭ ‬اليومية،‭ ‬والملاحظة‭ ‬الثاقبة‭ ‬لواقع‭ ‬متحرك‭ ‬محلياً‭ ‬واقليمياً‭ ‬ودولياً‭. ‬والأهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قدراتهم‭ ‬الابداعية‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬تعليق‭ ‬قصيريتسم‭ ‬بالعمق،‭ ‬وينفذ‭ ‬كسهم‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬الهدف،‭ ‬بأسلوب‭ ‬بسيط‭ ‬وجميل،‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الزخارف‭ ‬والتنطع‭.‬
وأعترف‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬القدير‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬منحني‭ ‬من‭ ‬نِعَمْ،‭ ‬حرمني‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الموهبة،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬حاولت‭ ‬عديد‭ ‬المرات،‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي،‭ ‬المران‭ ‬والتدرب‭ ‬على‭ ‬كتابة‭ ‬عمود‭ ‬يومي‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التجربة،‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬اسبوعين،‭ ‬تركتني‭ ‬مقتنعاً‭ ‬بعدم‭ ‬امتلاكي‭ ‬لما‭ ‬يتطلبه‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬التخصصي‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬الصحفية‭ ‬من‭ ‬موهبة‭. ‬ولذلك،‭ ‬قررت‭ ‬البحث‭ ‬لمواهبي‭ ‬ولقدراتي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يناسبها‭ ‬والابتعاد‭ ‬كلية‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬بيع‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬حارة‭ ‬السقايين‭.‬
هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنني‭ ‬أتخلى‭ ‬بالكامل‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬كتابة‭ ‬المقالة‭ ‬الصحفية‭ ‬الاسبوعية‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬روتيني،‭ ‬استعد‭ ‬لها‭ ‬مفكراً‭  ‬في‭ ‬موضوعها‭ ‬نصف‭ ‬اسبوع‭ ‬،‭ ‬وتفكيك‭ ‬جزئياته،‭ ‬وأي‭ ‬الزوايا،‭ ‬ما‭ ‬أتسع‭ ‬منها‭ ‬وما‭ ‬ضاق،‭ ‬أنسب‭ ‬للنفاذ‭ ‬إلى‭ ‬طرقاته،‭ ‬ثم‭ ‬حين‭ ‬تستوي‭ ‬الفكرة‭ ‬وتطيب،‭ ‬أتهيأ‭ ‬لكتابتها‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الأسبوع‭. ‬موال‭ ‬طويل‭. ‬
هذه‭ ‬المرّة،‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬ليس‭ ‬سهلاً‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭ ‬مهما‭ ‬حاولت‭ ‬مفكراً‭ ‬ومتدبراً‭. ‬والقصة‭ ‬ببساطة‭ ‬تتعلق‭ ‬برغبتي‭ ‬في‭ ‬الادلاء‭ ‬بدلوي‭ ‬في‭ ‬المصيبة‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بنا،‭ ‬نحن‭ ‬البشر،‭ ‬والمسماة‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭. ‬فأنا‭ ‬لدى‭ ‬أنبثاق‭ ‬أولى‭ ‬الشرارات‭ ‬حوله‭ ‬اعلامياً،‭ ‬استرعي‭ ‬انتباهي‭. ‬وهذا‭ ‬حثني‭ ‬على‭ ‬ملاحقة‭ ‬ما‭ ‬يرد‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬تتعلق‭ ‬به‭ ‬وبانتشاره‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬أولاً،‭  ‬ثم‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬وردني‭ ‬من‭ ‬معلومات،‭ ‬وما‭ ‬تجمع‭ ‬لديَّ‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬أعتبرته‭ ‬ليس‭ ‬كافياً،‭ ‬لذلك‭ ‬أخترت‭ ‬التريث‭ ‬قليلاً،‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬الموضوع،‭ ‬ثم‭ ‬التهيؤ،‭ ‬أخيراً،‭ ‬لكتابته‭. ‬
أحياناً،‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬التمسك‭ ‬بالمثل‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬العجلة‭ ‬من‭ ‬الشيطان،‭ ‬ومن‭ ‬الصحيح‭ ‬والأفضل‭ ‬العمل‭ ‬بمثل‭ ‬آخر‭ ‬يؤكد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬ضرب‭ ‬الحديد‭ ‬وهو‭ ‬ساخن‭. ‬ويبدو‭ ‬أنني‭ ‬لأسباب‭ ‬عديدة،‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للخوض‭ ‬فيها‭ ‬الآن،‭ ‬انحزت‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬التشبه‭ ‬بالشيطان،‭ ‬والارتكان‭ ‬إلى‭ ‬التريث‭. ‬لكن‭ ‬التريث‭ ‬الملعون‭ ‬يشبه‭ ‬أحياناً‭ ‬تطويل‭ ‬سلك‭ ‬في‭ ‬إبرة‭ ‬خياطة،‭ ‬مما‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬ضياعها‭. ‬وبمعنى‭ ‬آخر‭ ‬ضياعي،‭ ‬أنا‭ ‬ككاتب،‭ ‬في‭ ‬زحمة‭ ‬آخبار‭ ‬متلاطمة‭ ‬وتقارير‭ ‬متناطحة‭. ‬والاسوأ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬حين‭ ‬انتويت‭ ‬الجلوس‭ ‬لكتابة‭ ‬مقالتي،‭ ‬وجدتني‭ ‬أقف‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬طابور‭ ‬طويل‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬من‭ ‬معلقين‭ ‬بعدة‭ ‬لغات،‭ ‬لم‭ ‬يتركوا‭ ‬شاردة‭ ‬ولا‭ ‬صادرة‭ ‬ولا‭ ‬واردة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬ألا‭ ‬وقتلوها‭ ‬تعليقاً‭. ‬
كان‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬وقف‭ ‬أمامي‭ ‬كمطب‭ ‬اسمنتي‭ ‬مروري،‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يشيد‭ ‬خلسة‭ ‬ليلاً‭ ‬في‭ ‬شوارعنا،‭  ‬ماذا‭ ‬ستضيف‭ ‬مقالتك‭ ‬أو‭ ‬تعليقك‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬الضخم‭ ‬من‭ ‬التعليقات‭ ‬والمقالات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬عن‭ ‬الصدور‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الرسمية‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وغيرها‭. ‬وحتى‭ ‬بأفتراض‭ ‬أن‭ ‬تعليقك‭ ‬المنتوي‭ ‬والمؤجل‭ ‬سيضيف‭ ‬جديداً‭ ‬وسيكون‭ ‬مثيرا‭ ‬لاهتمام‭ ‬القراء‭ ‬فمن‭ ‬أين‭ ‬لك‭ ‬بالصبر‭ ‬والجلد‭ ‬للوقوف‭ ‬في‭ ‬طابور‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬يحين‭ ‬لك‭ ‬الوقت،‭ ‬وتتاح‭ ‬لك‭ ‬الفرصة،‭ ‬ويصل‭ ‬دورك؟
أليس‭ ‬من‭ ‬الأجدى‭ ‬والأفضل‭ ‬لي‭ ‬لو‭ ‬اني‭ ‬تخليت‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬كتابة‭ ‬المقالة،‭ ‬وأترك‭ ‬الفيروس‭ ‬في‭ ‬حاله،‭ ‬وهو‭ ‬يتنقل‭ ‬بحرية‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬ومن‭ ‬قارة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى،‭ ‬مفترساً‭ ‬آلافا‭ ‬من‭ ‬بشر‭ ‬تخلى‭ ‬عنهم‭ ‬الحظ،‭ ‬والحكومات،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬التعزي‭ ‬والسلوى‭ ‬بمتابعة‭ ‬وقراءة‭ ‬التعليقات‭!!‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …