يتميز الكتيب الرابع من السلسلة التوعوية “ما يجب أن تعرفه عن آثار…”، للباحث د. خالد الهدار، بتركيزه على موقع أثري محلي خالص، لا إغريقي ولا روماني، بل ليبي أصيل.
تهدف هذه السلسلة إلى تعزيز وعي الليبيين بآثار بلادهم، وربطهم بتاريخهم العميق، ودفعهم للحفاظ على هذا التراث الذي يمثل جزءًا من الهوية الوطنية والإرث الإنساني المشترك.
الكتيب الرابع بعنوان: “ما يجب أن تعرفه عن المعبد الليبي ومنحوتاته في سلنطة”، وأوضح فيه الكاتب أن كهف سلنطة جنوب الجبل الأخضر، والذي مثّل معبدًا محليًا مارس فيه السكان طقوسهم ومعتقداتهم، وتركوا فيه منحوتات بارزة تعكس تواصلهم مع أسلافهم.
منحوتات تحكي الطقوس والمعتقدات
الكهف الطبيعي الذي عُدّل بالصخر حتى بلغ طوله 7 أمتار وعرضه 4 أمتار، تحوّل إلى مزار ديني تزيّنت جدرانه بمنحوتات إنسانية وحيوانية مدهشة. من أبرزها: موكب بشري من ستة أشخاص متجهين لتقديم القرابين، مائدة قرابين تحمل أربعة خنازير، يتدفق منها دم الذبائح إلى كهف صغير خلفها، رؤوس بشرية ضخمة ترمز إلى الأسلاف، ثعبان ممتد على الجدار الشمالي، ارتبط بمعتقدات الخصوبة والموت، مشاهد لحيوانات مثل الغزال، الحصان، الأسد، الكلب، والثعلب، تجمع بين الواقعية والرمزية.
تفاعل مع الحضارات الكلاسيكية
رغم الصراعات التاريخية بين الليبيين والمستوطنين الإغريق، لم ينفصلوا عن محيطهم الثقافي، فقد تأثروا بالفن والممارسات الدينية الكلاسيكية وأثروا فيها بدورهم، وهو ما تعكسه المنحوتات التي جمعت بين الإبداع المحلي والملامح الكلاسيكية.
حماية موقع فريد
يدعو المؤلف إلى حماية كهف سلنطة بإقامة سقف يقي منحوتاته من التآكل، والعمل على تسجيله ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي. ويرى أن هذا الكتيب يمكن أن يكون سندًا في هذه الجهود.
بين البحث والتبسيط
على الرغم من أن الكتيب موجّه أساسًا للقارئ غير المتخصص، فإنه يضم شروحًا وهوامش علمية ودراسات رصينة أبرزها أبحاث الإيطالي ماريو لوني منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما يجعله مرجعًا مبسطًا يفيد الباحثين أيضًا.
بهذا الإصدار، يقدّم د. خالد الهدار للقارئ رحلة معرفية إلى معبد ليبي استثنائي ظل طويلًا في الظل أمام هيمنة المواقع الكلاسيكية، ليؤكد أن التاريخ الليبي له جذوره الأصيلة ومعتقداته الخاصة، التي تستحق التقدير والحماية والاعتراف العالمي.