منصة الصباح

مطبخ

محمود البوسيفي

 

في أعقاب الحرب العالمية الأولى اضطرت المرأة في أوروبا للنزول إلى سوق العمل قسراً لتعويض الخسائر المريعة في صفوف الرجال الذين سحقتهم آلة الحرب. وعندما أسدل الستار الدموي على الحرب العالمية الثانية كانت أعداد النساء في مواقع الإنتاج تفوق مرتين

ونصف عدد الرجال. وللضرورة لجأت حكومات أوروبا إلى تقنين مواعيد العمل لتسريع

عمليات البناء، وفرض نظام يوم العمل الكامل من السابعة صباحا وحتى الخامسة عصرا مع فسحة ساعة لتناول وجبة خفيفة لكسر الجوع.

وللضرورة ظهرت سلسلة مطاعم الوجبات الخفيفة للاستجابة لذلك المطلب. وهو ما قاد لاحقًا إلى اعتماد برامج في الأكل وقضاء العطلة الأسبوعية، وما ترتب على ذلك من منظومة سلوكية إضافة إلى تركيب شكل العائلة ومجمل علاقاتها أيضا ظهرت أثناء الحرب وبعدها مدارس في الأدب والفن عكست انسحاق الروح الإنسانية ومقاومتها للبشاعة التي أفرزتها الدماء وانين الأوجاع ومعصرة المآسي وخرجت أنماط جديدة في أشكال الهوية أبرزتها الروايات والقصائد واللوحات والأفلام والدراسات النقدية والفلسفية.

لم يكن ذلك شطحات هلوسة أو محاولة فارغة للاختلاف، لكنه كان نتاجاً أصيلاً للمعاناة وضراوة الواقع.. وقراءة مسكونة بالوجع لما يحدث على الأرض واستمر ذلك حتى الانفجار الذي شهدته أوروبا في 1968 ( ثورة الطلاب) وأسفر عن تغييرات جديدة في الموسيقا والأدب وانفلات اجتماعي نجحت الشركات الرأس مالية ( كالعادة..) في استثماره واستحلابه

كان ذلك يخص الغرب ( أمريكا وغرب أوروبا) حيث تحول الوقت إلى سيف حقيقي لا يتوقف إلا للقطع، دون الالتفات للذرائع أو للثرثرة أو نصب الفخاخ واصطياد اللا جدوى

أريد هذا التحدث عن المطبخ الذى اختفى أو يكاد من المنازل في الغرب، حيث أصبح يشغل حيزا صغيرًا أنيقا في ركن الصالة لصنع الشاي أو إعداد طعام الإفطار وتخلوا خزائنه إلا من الأطباق و الأكواب وقطع البسكويت وبعض العلب.. وأصبح مرور الرجل أو المرأة على السوق سريعا لاختيار قطعتين من الطماطم وقطع من الجزر والفلفل والخس وشريحة من اللحم أو السمك.

تغير النظام الغذائي تماماً وترتب على ذلك نظام الهضم وصناعة الدواء وصناعة القمامة التي تخلو نهائيا من المواد العضوية وتطور صناعة الملابس وأشكال صرعات الموضة وتشكيل الذائقة إلخ إلخ…

هل بوسعي العودة إلى طرح الأسئلة والتساؤل عن الذي يحدث

عندنا

وكيف يمكن فهم اكتظاظ مطابخنا بالمواد الغذائية وقمامتنا ببقاياها

المتعفنة، بينما تنتشر مطاعم الوجبات السريعة الخفيفة في جميع الشوارع بالمدن والأحياء والقرى؟

كيف يمكن أن نفهم دلالة الهوية وكتابنا يجهلون تراثنا وشبابنا

يجهلون لغتهم الأم؟!

كيف نتجاهل أن الأكل والأزياء هي من صميم الهوية؟! وكيف نقرأ هزيمة الشاي أمام المكياطا وساندويتش التن أمام الهمبورجر والفرملة أمام الجيليه والرشدة أمام السباغيتي والسمن أمام المايونيز وفاطمة وخديجة وهند وتماضر (اللهم صل ع النبي)

أمام أسماء بطلات المسلسلات الأجنبية؟

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …