زكريا العنقودي
لم يكن مصطفى جموم رحمه الله استاذي الوحيد بمهنة الاخراج الصحفي وهي أول عمل احترفته بهذه المهنة حين التحقت بها نتيجة صدفة سنة 1981 . فقد كان هناك الخافي بنور ونبيل لكلوك رحمهما الله ومحمد الوصيف حفظه الله لنا كصديق وارث جميل لهذه المهنة .
كنت بالثانوية حينها ( تحديداً أول ثانوي) وطرابلس بلا مقاهي ولا محلات بالجنون الذي عليه الحال الان .
كان رحمه الله ضعيف النظر و يرتدي نظارة دائماً لكنه و بالمقابل و بروحه الملائكية بعيد النظر ايضا
كان رحمه الله رساماً ومخرجاً صحفياً مميزاً و (ولد بلاد ) من طراز رفيع وهو على المستوى الانساني يحمل قلباً يسع الجميع . اضف الى ذلك أنه خفيف الظل وصاحب نكتة .
إضافة إلى ما فات هو مشاي كبير ويحب أن يجوب طرابلس كلها راجلاً وذلك بعد أن يدرس الدتسون 120 العائلية عند اقرب رصيف ، حينها أنضم اليه وأجوب خلفه كل ازقتها الخاوية على عروشها فترة الثمانينات .. ومنه تعلمت ورغم حالها ذاك أنها اجمل مدينة في هذا العالم .
مصطفى جموم هو سميع موسيقى وغاوي فن ومنه تعلمت أن اصغي وبروحي لأم كلثوم ومنه تعلمت أن استمع وإلى يومنا هذا لعبد الحليم .
مصطفى جموم هو من علمني أن اكون حذرا كلما اقطع الطريق فقد كان يأخذ بيدي ويقطع بي الكياس وذلك بعد صبر طويل وهو يردد عليٌ وسع بالك زكريا واستنى لين تفضى الطريق بعدين قص و يذيل هذا بنكتة فيقول لي .
(باهي بالك واحد طارداته مرته من الحوش وركب سيارته توا بيفكر فيك انت وإلا في اياماته السود ) .
كنت اضحك حينها وانتظر معه لين يفضى الطريق لنقطعها معاً ونحن نعدو للرصيف المقابل كقطتين مذعورتين . .
مصطفى جموم والذي افتقده الان ولازلت أبكيه كل يوم قد خسرته وفي اول التسعينات وفي مفارقة غريبة وفي ليلة شتوية لا قمر فيها بعد أن داسته سيارة مسرعة بطريق المطار .
فقدته رحمه الله بعد أن تعلمت منه كل شيء تقريباً حتى لكنتي الطرابلسية تعلمتها منه .
ولازلت رغم عقود غيابه لا اقطع الطريق ألا و أتذكره يمسك بيدي ينصحني بالحذر والحيطة وعدم التسرع .
و أتحسر ايضا أنني فقدته حين قطع الطريق وحيداً تلك الليلة ولم اكن لجواره وأرد له بعض الجميل فأمسك بيديه بدوري وأمنعه عدم التسرع لربما كان للقدر رأي أخر حينها رأي يختلف عن كل ما حدث بعد ذلك .
الى الملتقى يارفيق العمر علنٌا نحظى برضى الله ونقطع الطريق معا وصعوداً هذه المرة صوب سدرة المنتهى .