منصة الصباح

قراءة تقييمية لقرار مصرف ليبيا المركزي بمنح قرض حسن بضمان المرتب

دكتور مجدي الشبعاني

في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد، بما في ذلك شح السيولة، التضخم، وغلاء المعيشة. هناك عدة أوجه للنظر في هذا الإجراء وتقيميه ومنها الاقتصادية والاجتماعية، مع استبعاد ان تكون هذه الاجراءات ذات بعد جنائي او منافي للسياسة التجريمية في ليبيا ، ويمكن تلخيص ابرز الملاحظات على النحو التالي:

أولا : الاستنزاف الفعلي للمدخرات المستقبلية

أن السماح للمواطنين بالشراء على قوة رواتبهم المستقبلية يؤدي فعليًا إلى تقليص القدرة الشرائية المستقبلية للمواطن ، مع انعكاس ذلك ليؤدي الى استمرار ارتفاع الأسعار (بسبب التضخم)، فإن الاقتراض من الراتب قد يجعل المواطنين يدخلون في دائرة مفرغة من الديون المتراكمة، حيث تُستهلك الرواتب بمجرد نزولها لتغطية الديون السابقة، مما يقلل من أي فرصة للادخار ، وهذه سياسة فاشلة لاعدام قدرات المواطن الليبي ونسف مدخراته بدل تعزيزها.

ثانيا: المخاطر الاقتصادية الكلية : هل سيعالج هذا الاجراء شح السيولة في المصارف؟

إذا كانت الرواتب تعتمد على السحب المسبق، فإن ذلك قد يؤدي إلى مزيد من الضغط على السيولة في النظام المصرفي ، بمعنى ان المواطن بدل رغبته في سحب مرتب شهر 11 سيرغب باي طريقة لسحب شهر 12 بالقرض الحسن ، مع عدم انتظام توريد أذونات الصرف للسيولة إلى المصارف يمكن أن يخلق أزمة ثقة، وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم مشكلة السيولة وزيادة شحها .

هل سيعالج هذا الاجراء التضخم وارتفاع الأسعار ؟

مع زيادة القدرة الشرائية الافتراضية (من خلال القرض الحسن )، قد ترتفع أسعار السلع والخدمات بشكل أكبر نتيجة زيادة الطلب، مما يزيد العبء على المواطنين.
هذا الإجراء قد يؤدي إلى تضخم غير منتج، حيث يستهلك الناس دون أن تكون هناك زيادة مقابلة في الإنتاج.

ثالثا : التأثير الاجتماعي: اول اثر يمكن ان نتوقعه هو زيادة الاعتماد على الدين:

حيث سيُعتاد المواطنون على استباق استخدام رواتبهم المستقبلية، مما يعمق مشكلات الإفراط في الاستهلاك دون تخطيط مالي.

وإذا توقفت الرواتب بشكل مفاجئ أو انخفضت قيمتها نتيجة عوامل اقتصادية، فقد يؤدي ذلك إلى حالات من العجز المالي والضغط النفسي والاجتماعي.

من الاثار الاجتماعية المحتملة فقدان الثقة بالمصارف من قبل المواطنين

إذا لم يتم تنظيم هذا النوع من القروض بشكل واضح وشفاف( بالاخص وضعية المصارف الحالية )، فقد يؤدي ذلك إلى تراجع ثقة المواطنين بالمصارف، خاصة في حال تفاقمت الأزمة الاقتصادية.

ختاما اقترح بدلاً من السماح بالاستنزاف المباشر للرواتب، يمكن التفكير في إجراءات أكثر استدامة، مثل:دعم القدرة الشرائية المباشرة وذلك من خلال العمل على استقرار أسعار السلع الأساسية من خلال دعم الحكومة أو رقابة على الأسعار.

مع ضرورة تطوير آليات الإقراض المسؤول من خلال تقديم قروض بفوائد صفرية أو منخفضة للأفراد وفق احتياجات حقيقية (مثل شراء الضروريات) بما يتماشى مع أحكام الشريعة الإسلامية

ضرورة التركيز على صغار التجار وتعزيز الإنتاج المحلي ودعم مشروعات صغيرة تتيح فرص دخل إضافية للمواطنين بدلاً من الاعتماد الكلي على الرواتب.

التركيز على تحسين إدارة السيولة ، تعزيز التنسيق بين الجهات الحكومية على اختلافها والمصرفية لضمان انتظام الرواتب وتخفيف الضغط على المصارف .

اذا السماح باستباق استخدام المرتبات عبر القروض الحسنة قد يحل مشكلة مؤقتة ولكنه يمثل استنزافًا للموارد المالية المستقبلية ويعمق الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في المدى البعيد. الحل الأفضل يكمن في إصلاح السياسات الاقتصادية وتحسين إدارة الموارد بدلاً من الاعتماد على حلول قصيرة المدى تزيد من تفاقم الوضع.

شاهد أيضاً

تونس بخير مَسْرَحِيّاً

جمعة بوكليب زايد…ناقص أنا على وعي ومتابعة مستمرة بما ينشر من تقارير في وسائل الاعلام …