حمزة جبودة
من هو البطل؟
لو طُرح السؤال على مجموعة من الناس، سنكتشف أن لكل شخص منهم، تعريفه الخاص عن البطل، الجميع لديه إجابة تختلف عن الأخرى. وهذا السؤال هو فخ وباب واسع يحتمل كل شيء. حتى الأشرار الذين نعتبرهم الخاسرين دومًا في الأعمال الدرامية، على عكس الواقع.
مسلسل البطل، الذي كان إحدى مشاريع الشاعر الكبير، الراحل ممدوح عدوان، جاء هذا العام بجُرعة مضاعفة من الحرية في الطرح والإخراج بقيادة الليث حجو، الذي كانت له تجارب سابقة ناجحة، وأهمها مسلسل “الندم”.
صراع “الأستاذ يوسف” و”فرج”:
بدأ العمل حلقاته الأولى من قرية ريفية، فيها أستاذ ومدير مدرسة، “الأستاذ يوسف”- الفنان الكبير بسام كوسا– مع أسرته، زوجته “رانيا”- الفنانة هيما إسماعيل– وابنته “مريم”- الفنانة نور علي– وابنه “مجد”- الفنان وسام رضا.
للأستاذ يوسف تقدير واحترام كبير في القرية، الجميع يراه القدوة، لأنه يساعد من يلجأ إليه ويسعى لحل أي أزمة تواجه أي فرد من أفراد قريته. منضبط يحترم القانون، ويلتزم بكل التعليمات التي تصله من وزارة التعليم، على الرغم من عدم اهتمام الوزارة بكل طلباته بتطوير ولو الجزء البسيط في المدرسة.
ولأن الأستاذ يوسف هو القدوة، فإن له احترام لم نعُد نسمع عنه، احترام القيمة العلمية احترام الخبرة التعليمية احترام أي كلمة تخرج منه وإن كانت قاسية على صاحبها، كما حدث مع “فرج”-الفنان محمود نصر- الذي يرى في الأستاذ يوسف، بأنه أفضل الناس وله الحق في أن يضغط عليه من أجل أن يكون ملتزمًا بالقانون والابتعاد عن المشاكل.
الحرب: مسرح بشري بأدوار متناقضة!
صنعت الحرب السورية، واقعية جديدة في كل شيء، غيّرت مفاهيم كنا نعتقد أنها لا تتغير، وأخطرها، أن يُصبح الطيّب شرّير وأحيانًا قاتل من أجل لقمة العيش، من أجل البقاء بمعنى أدق. لكن هذا الدافع ينموا مع الشخص ويكبر مع كل معركة “حياتية” يومية، إلى أن يُصبح الأمر أشبه بروتين عادي، ثم بعدها يكتشف أنه نجح في ارتكاب ما كان يعتقد أنه خطأ، خاصة بعد أن يتفاجأ برأي من حوله، من شخص مسالم وبسيط، إلى شخص قوي يخافه الناس وتلجأ له لحل أزماتها. وهذا ما حدث مع فرج، الذي قرر أن يسلك طريق “البطل” والمنقذ كما يراها هو، لا كما يراها “البطل” الأول، الأستاذ يوسف، الذي مازال يقول أو “يُكابر” على إنكار الواقع وانهيار المنظومة الأخلاقية والتربوية في مدرسته وفي قريته وفي وطنه سوريا.
التناقض أو الصراع الداخلي للإنسان، هو صراع طبيعي، لكن هذا الصراع، لا يكون طبيعيًا في بيئة لا صوت فيها إلا للخراب والفساد، لأن سيكون في أوقاتٍ كثيرة، لصالح ذات الخراب وذات الفوضى، ومعه تتغير المفاهيم تدريجيًا، المسالم والذي يطمح لحياة بسيطة وينتظر المجهول “شخص مجنون” ومن يتحالف مع الشيطان نفسه، “شخص واقعي” لأنه الأقوى والأصلح لأن يكون بطلاً ثم طاغية على دائرته الصغيرة، أسرته وقريته.
عزيزي يوسف: في الحروب تضيع الحقيقة
في إحدى المشاهد التي يكون فيها، صوت الرواي- الأستاذ يوسف- يشرح ما حدث ويحدث، يقول: “عزيزي يوسف.. يقال في أوقات الحروب أول ما تضيع هي الحقيقة نعم لقد تاهت منّا.. لقد تاهت منّي.. وربما أنا الذي تُهت”.
هذه الجملة، جزء من سردية مؤلمة وسوداوية، اعتمدها العمل الدرامي الذي وصفه مخرجه الليث حجو، بأنه وثيقة سورية مهمة عن ما عاشه ويعيشون أهل سوريا.
الجملة هنا هي اعتراف متأخر من الأستاذ يوسف، أن كل شيء أصبح خرابًا، وأن ما آمن بهِ لم يعد موجودًا في الواقع. لو قالها أحدًا آخر غير الأستاذ يوسف، يمكن أن نفهم السبب ببساطة ونتناساه، ولكن حين يقولها الأستاذ الذي لا يقبل أي خطأ ويرى في أن الأمور ستكون أفضل، تعني أنه اعتراف منه بخسارته للمعركة، أولا مع أسرته من زوجته وابنه مجد ثم مريم، التي تعكس صورته في كل شيء. وبعدها خسارته مع قريته ووطنه. لا حقيقة في الحرب إلا الحرب نفسها.
البطل: وثيقة سوداوية “واقعية” عن الوجع السوري
مع الحلقات الأولى؛ اكتشفت أنني أمام عمل درامي سيكون مفتاحًا جديدًا للدراما السورية والعربية، وأنني لن أشاهد مسلسلاً حتى أن قصته وأبطاله وأنا انتظر الحلقة الأخيرة التي يُهزم فيها الشر، بل سأشاهد نفسي سأشاهد ما لم أعرفه من قبل، سأرى ما لم اقرأ عنه ولم أتوقع أنه حدث ويحدث.
هذا العمل، هو ناقوس الخطر الذي نعيش فيه وننكره، كما ينكره البطل الأول “الأستاذ يوسف”، هذا المسلسل يُخبرنا أن البطل ليس بالضرورة أن يكون ضابطًا أو جنديًا، أو شخصية مؤثرة، بل قد يكون أحدنا أنا أو أنتَ/تِ أو غيرنا، لكن الفرق كيف بدأ بطلاً ومن أسماه البطل، خوف الناس أم حُبهم؟