الصباح ــ عبدالله الزائدي
في مستشفى الحروق والتجميل، حيث تعانقت آمال الشفاء مع صبر الأيام في اسرة طفل يعاني تشوها منذ الولادة ، وحيث كُتبت فصول قصة إنسانية مؤثرة. بطلها طفل لم يتجاوز التسعة أشهر من عمره، رُسمت على جبينه منذ الولادة علامة تحدٍ، تشوه ولادي يُعرف بـ “تثلث الرأس“، حول ملامحه البريئة إلى شكل مثلثي غير مألوف.
لكن القدر، وكما هي عادته، خبأ في طياته بصيص أمل، اذ قرر فريق طبي ليبي، بقيادة الدكتور محمد التائب، استشاري جراحة الحروق والتجميل، أن يمسح بيد الجراحة تلك العلامة، وأن يهدي هذا الرأس الصغير ميلادًا جديدًا، لا تشوبه ندوب الماضي.
رحلة الولادة الجديدة
على مدى يومين كاملين، تحولت غرفة العمليات إلى مسرح دقيق، حيث تضافرت جهود عقول ماهرة وقلوب رحيمة. الدكتور التائب، الذي قاد العملية بكل اقتدار، أكد أن هذا النوع من التدخل الجراحي أشبه برحلة استكشافية في عالم الجمجمة المعقد، رحلة لا تُقدم عليها إلا المراكز الطبية المتخصصة حول العالم. وفي ليبيا، كان هذا المستشفى المتواضع مسرحًا لهذا الإنجاز، بعد صمت دام خمسة عشر عامًا، حيث كانت مثل هذه العمليات تُجرى بجهود أطباء زائرين.
تخيلوا تلك اللحظات الحاسمة، والدقة المتناهية المطلوبة لفتح ذلك الدرز الجبهي والدرز تعبير الذي التحم مبكرًا، ليُعيد النحاتون من الأطباء تشكيل عظام الجبهة وجزء من الجمجمة، لا لغرض تجميلي فحسب، بل ليمنحوا الدماغ الصغير مساحة آمنة لينمو ويتطور بشكل طبيعي.
أكثر من خمس ساعات قضاها الفريق الطبي ساهرًا، مُسلحًا بالعلم والإصرار، في معركة صامتة ضد ذلك التشوه الذي أراد أن يفرض شكله على مستقبل هذا الطفل.
لم يكن الدكتور التائب وحده في هذه المعركة المقدسة، كان بجانبه فريق من الملائكة البيضاء، كلٌّ يحمل في يديه جزءًا من المسؤولية، الدكتور أمجد الأمين، استشاري جراحة المخ والأعصاب، الذي يعرف دهاليز الجمجمة وأسرارها، الدكتور صلاح رميح، أخصائي جراحة الوجه والفك، الذي يمتلك عين الفنان في إعادة التناسق، والدكتور عبد الرحمن النعمي والدكتورة آلاء المزوغي يمنحان الهدوء والسلام تحت تأثير التخدير، وإلى جانبهم، الأطباء المساعدون، الدكتور ناصر العلواني والدكتور محمد البيباص، والجنود المجهولون في تمريض العمليات، سمية وزهرة وانتصار وأسماء، وفنيو التخدير والعناية، مصطفى وأحمد وكميلة، وحتى قسم تجميل الأطفال، بوردياته الصباحية والمسائية والليلية، تحت إشراف جميل وهالة، كانوا جزءًا من هذه اللوحة الإنسانية الملهمة.
في النهاية، وبعد ساعات من الترقب والقلق، أُعلن الفريق انتصاره “كللت العملية بالنجاح التام”، هكذا خرج الخبر ليُعانق قلوبًا كانت تدعو وتترقب، لم يكن هذا مجرد تصحيح لعيوب خَلقية، بل كان بمثابة منح فرصة جديدة لحياة طبيعية، لرأس صغير يحمل الآن ملامح مستقبل مشرق.
هذه القصة، التي سطرها فريق طبي ليبي بكفاءة وإنسانية، ليست مجرد خبر عابر، بل هي شهادة على قدرة العزيمة والإيمان بالرسالة، هي قصة عن أيدٍ ماهرة استطاعت أن تُعيد رسم ملامح طفل، وأن تزرع الأمل في قلوب أهله، وأن تُضيء شمعة في سماء الطب الليبي، مؤكدة أن الإمكانيات قد تقل ولكن الإنجازات ممكنة، طالما وُجد الإخلاص والتفاني.