منصة الصباح

مرايا اجتماعية

مستهل …

مرايا تعكس الواقع كما هو .. دون رتوش..دون تجميل..واقعا قد يكون مؤلما.. وخزاته توجعنا.. وتجرحنا..ولكنها الثورة الحقيقية..تعكس الحقيقة المؤلمة.. لكي نتعلم ألا نكره الحقيقة .. بل نعترف بها .. نتعامل معها .. كما هي .. بصدق .. وواقعية .. وشفافية .. وكما عكستها المرايا الاجتماعية.

ليبية على قارعة الطريق

مواطنة مع وقف التنفيذ

تكتبها : كوثر الفرجاني

_____________________________________

تجاعيد وجهها تفصح عن عقودها الستة، ولهاث انفاسها يشي بتعب شديد، وآلام لا حصر لها من ضنك العيش وبؤس الحياة، تجسُ بأصابعها المرتعشة عرقها المترقرق على جبينها وتحبس أنفاسها التعبة حتى لا يسمع لهاثها المارة، انها تكافح كي تتجاوز مراحل الإرهاق بأي ثمن، تحاوررك بلغة العطف..ولا تستجدي أحدا..ولكن ملامح الوجه تفصح وتفضح لمن لديم بصر ..وبصيرة !

خرجت من مجمع المحاكم تبحث عن اجابة سؤال ، غلبها اليأس جلست على كرسي محل عطارٍ في نهاية الشارع لتزيح تعبها، تنتظر رحمة الله .

وكلما نظرت إليها ازدادت بؤسا.. فالآلام التي تكومت على روحها تهيج براكين الدموع في عينيها وتجعلها تسيل بحرارة على تجاعيد خديها…

ملامح امرأة مكسورة الجناح في مجتمع أصبح قاسيا،

بعد أن سمعت بحكم المحكمة الذي لا يرحم.

ليببة، تزوجت وأنجب من زوجها ولدا واحدا هو اليوم في العشرين من عمره، استمرت الحياة على وتيرة واحدة حتى فوجئت به يتغير إلى شخص آخر، خليط من السلوكيات التي لا يمكن وصفها إلا بالبشاعة، مع عذاب يومي، فكان وأن طلبت الطلاق للضرر فطلبها فى بيت الطاعة، وضاعت سنوات من العمر حتى استطاعت أن تنقد نفسها وطفلها من جحيم لا يطاق،وتطلقت !

شر لابد منه

وتقص السيدة  ” آمال بانون ”    قصتها  المريرة مع زوجها قائلة :” كان الضرب والشتم ينهال علي بشكل يومي بالإضافة إلى ما أسمعه من كلام بذيء، وإدمانه على شرب الخمور وسلوكياته جعلتني لا اطيق الحياة معه،

عاملنى بكل قسوة وازدادت قسوته مع الأيام وظننت أن طفلى الذى جاء بعد سنوات من الزواج والعذاب سيهون علىّ الأمر ويثنيه عن أفعاله، إلا أنه ازداد وحشية واعتاد على ذلك واعتدت أنا على التسامح، حتى طفح الكيل وكان لابد ان انقذ حياتي وطفلي ، ولازلت اسمع بعض كلام الناس لكنني واثقة من نفسي واعلم ان مافعلته كان هو الصحيح” .

و تقول: ” في البداية كانت ردة فعل أهلي قاسية جدا و طلبوا مني  العودة إلى منزلي  وكأن شيئاً لم يكن خوفا من كلام الناس والاقرباء ، حتى أخوتي لم يرحموني أو يقفوا إلى جانبي، وباعوا بيت الأسرة وتقاسموا الإرث “.

وأضافت: “لكن جميع أحلامى بحياة هادئة تحولت إلى كابوس، بعد سنوات من الطلاق ومع انتهاء فترة الحضانة يصدر حكم محكمة بطردي من مقر سكني الذي اشتراه (سلفي) من اخوته وقبض طليقي الثمن دون وازع أو ضمير وهو يعلم أن مصيرنا هو الشارع لا محالة مع إصرار عم ولدي على خروجنا من البيت بعد أن حصل على حكم المحكمة ونحن في انتظار التنفيذ من قبل الضبط القضائي “.

تم تداول القضية وقضت محكمة الأسرة في مجمع المحاكم بشارع السيدي بإخلاء المنزل ورغم الإستئناف كم مرة إلا أن الحكم في كل مرة لا ينغير إخلاء المنزل لصالح صاحبه، لتبقى سيدة ليببة بلا مأوى،

راتبها لا يزيد عن 400دينار ، لا يكفي إيجار غرفة بمنافعها في ظل إرتفاع أسعار الإيجارات مع تفاقم الأوضاع بسبب الحرب الأخيرة على طرابلس، ووزارة الشؤون الاجتماعية رغم أنها موظفة فيها بدرجة رابعة في مجال الخدمات لم تقدم لها إلا كلمة واحدة ( معندناش شن نديرولك)، لتبقى رهينة تساؤلات بلا إجابة إلى أين!

إلى أين!!

السؤال موجه للمسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية: أين الملجأ والمفر الآمن في نظركم لمطلقة مع ابنها الوحيد، والذي يدرس في أواخر مراحل دراسية صعبة حتى تعيش معه حياة مطمنئة بعيدة عن المخاطر والشتات؟

قرار المحكمة الصائب ألحق بها اضرارا وخسائر نفسية جسيمة ومع خروجها المحتمل من المنزل ستتخذ من قارعة الطريق مكانا نحتمي فيه ،أين هو الملجأ الآمن الذي سيحتضنها إن هي خرجت من هذا البيت!

اليس من باب الانسانية قبل الاقدام على اصدار هذا القرار المجحف ايجاد مكان وملاذ آخر تحتمي به مع ابنها الوحيد؟!…

أمام محكمة الأسرة بمجمع المحاكم وقفت قائلة: ”

كيف لي أن اتدبر مكانا آخر احتمي به مع ولدي؟ مع المعرفة المسبقة بان قيمة الايجارات ارتفعت بشكل غير مسبوق وكل ما أحصل عليه من راتب الشئون 420 دينارا!”.

واضافت:

“بكل أسف كان رد وزارة الشؤون الاجتماعية هو التجاهل واعطائي «أذنا صماء» لا تسمع حاجتي الملحة الى ما اعانيه، حتى الإيجار لم يعد متاحا للحالة مشابهة لحالتي،لذلك ألتمس من المعنيين ايجاد مقر آخر يحتضنني مع ابني لأعيش فيه وإلا فالشارع يتربص بمصيري مع ابني… فهل لندائي من مجيب !!

ليبية مع وقف التنفيذ

تتكرر المأساة مع كل قصة وقصة، لتجد الليبية المطلقة نفسها على قارعة الطريق، في ظل واقع مأساوي يزداد وحشية مع تفاقم الأزمات وتغول البشر .

وحتى أبسط الحقوق والمطالب تحولت إلى مستحيلات، في ظل ما يحصل من فساد حكومي على مستوى الوزارات، ولعل ما يحصل بوزارة الشؤون الاجتماعية خير دليل، حيث تعجز وزارة عن توفير بدل ايجار لحالات طارئة ومستعجلة.

ما الحل ! وإلى اين !!

حتى لا تقع المرأة تحت طائلة الظلم، وتكون لها آليات تتسم بالإنصاف، ولاسيما في غياب المعايير المنضبطة لتحديد الحقوق، ولا غرو أن الفئات الأكثر تضرراً من المطلقات هنَّ ذوات العمر المتقدم .

هل يأتي يوم ونجد من يتبني برنامج توعية وتثقيف إعلامي، يهدف إلى تغيير نظرة المجتمع للمطلقة، ويدعمها إنسانيا واجتماعيا في مثل هذه الحالات الطارئة والحرجة؟وأن تشترك الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمرافق الخيرية في إنشاء جمعيات نسائية تلبي مطالب المطلقات، وتعمل على التعجيل في حصولها على حقوقها، والضغط على الأزواج عبر تشريعات وقوانين صارمة.

تساؤلات بلا إجابات

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …