منصة الصباح

كراهية قديمة

كراهية قديمة

محمود البوسيفي

أدخل العرب – حينما دخلوا أوروبا من طرفيها الغربي (الأندلس) والشرقي (حدود (فيينا) – علوم الرياضيات والجبر والفلك والطب والكيمياء والموسيقا والأدب.. هذا ليس سرا فضلا على أنه ليس في مقام نوستالجيا الماضي.. لكنه فقط لاستنطاق المسألة بما يليق بها من تبسيط.

أدخل العرب إلى أوروبا حين اقتربوا من ضفافها العلوم كافة. واستقبلوا منها – وما زالوا يستقبلون – الحروب الصليبية والاستعمار بأنواعه.. ونهب للمقدرات والثروات وفرض التقسيم والاحتلال والارتهان والتبعية والتهميش والازدراء والإهانات.. وما لا يحصى من مفردات في هذا السياق.. مناهج التعليم في الوطن العربي تتحدث بتوقير (واجب) وافر عن كوبرنكس ومدام كوري ونيوتن وأينشتاين وأرسطو وبتهوفن.. وترسم وسائل الإعلام العربية عبر وسائط مختلفة) صورة مبهرة للغرب المتقدم في الميادين كافة (بطبيعة الحال دون التورط في مجرد الاشارة الى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة).. فيما تحفر

عقلية الخنوع العربية أخاديد في أذهان الأجيال الجديدة تقود مصباتها صوب هذا الغرب سلبا وإيجابا.
مناهج التعليم في الغرب تصور العربي كائنا منفرا وتلصق به في حكايات وأناشيد وقصص مصورة ومقرؤة كل ما يمكن لصقه من دلالات الغدر والخيانة والكذب والحقد الخ الخ «كأنني أسمع بعضهم من ليبيا والعراق وسوريا واليمن والسودان يقولون.. أن هذا صحیح حقا !!! .. تردفها وسائل الإعلام والسينما بتقارير ودراسات و أفلام و مسلسلات و استطلاعات و تقارير أستقصائية وأخبار مفبركة ترسم وفق هندسة إعلامية شديدة التعقيد تجمع على إظهار العربي إلا في ما نذر ملوثا بالدونية.

كلنا نعرف الآن كيف نحت (شولتز) في القرن التاسع عشر مصطلح (السامية) وكيف تلقفه اليهود المؤسسون للحركة الصهيونية وصهروه في ذاكرة (الغيتو) لأكثر من قرن ونصف تقريبا قبل استخدامه عقب الحربين العالميتين في أكبر حملة ابتزاز شهدها التاريخ البشري ليحصلوا على أرض ليست لهم ولا من حقهم وعلى دعم لا حدود له تقريبا ناهيك عن سيطرتهم بذلك على أذهان وضمائر قارتين على الأقل وليس مجرد دول أو أشخاص هنا وهناك…

العرب لم يرسلوا طائراتهم ودباباتهم وفرقطاتهم وجنودهم لاستباحة أوروبا وأمريكا، ولم يغتصبوا نساءهم ولم يقتلوا أطفالهم ولم يلوثوا مياههم ولم يسرقوا ثرواتهم وعقولهم ويطمسوا هويتهم.. لم يفجر العرب حروبا كونية ولم يثقبوا غلاف الأوزون ولم يمتلكوا أسلحة الدمار الشامل ولم يحتكروا المعرفة.. العرب ضحية قديمة للغرب.

العرب ومنذ نحو خمسة قرون ضحايا لحقد الغرب وكراهيته.. منذ الحروب الصليبية وحتى تدمير العراق وسوريا وليبيا واليمن.. يتعرض العرب منذ ذلك التاريخ القديم . لحملات منظمة من العنف والإرهاب والتخريب.. الغرب يكره العرب.

آلاف الكتب والأفلام والمسلسلات والبرامج والدراسات (منذ رحلات الاستكشاف الاستعمارية للبحث عن مواد خام وأسواق. بعد اكتشاف البخار) تقول كلها جميعا وعلانية أن الغرب يكره العرب. وأن المقولة التي أطقلها الروائي والشاعر البريطاني دوريالد كليبينج: (الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا) هي أكثر من حقيقة.. وما يفعله الغرب منذ الحروب الصليبية وصولا إلى ما فعله في تمكين الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتدمير العراق وليبيا واليمن وسوريا وصناعة القاعدة وداعش الخ من القنابل الذاتية بدلا من الدفع بجنود من الغرب.. لم يعد الغرب يخفي برامجه ومخططاته وصار العبث الغربي في الشأن العربي يبث على الهواء مباشرة.. صارخا أن الغرب يكره العرب.. تبخيس أسعار الخامات العربية .. سرقة العقول والمواهب.. الإرهاب المباشر وغير المباشر .. التلويح الدائم بسيف العقوبات…

فرض التبعية ورهن القرار السياسي.. الخ من الشواهد التي تؤكد ان الغرب يكره العرب. لا أعفي بطبيعة الحال مسؤولية النظام العربي برمته عن القبول المهين بالارتهان وهو ما يدعو الى أن يرفع الشعب العربي سلاح عدونا ولنقل للغرب (أوروبا وأمريكا) أنتم تكرهون العرب (الساميون).. أنتم عنصريون .. أنتم أرهابيون.. لتضغط قبائل العرب على حكامها القدماء والجدد ومؤسساتها وإعلامها وجامعاتها والمواطنين لقول ذلك للغرب حكاما ومؤسسات وإعلاما وجامعات وأفرادا.. لا نمارس الابتزاز مطلقا ولا نبتغي حظوة.. ما نبتغيه هو وضع النقاط على الحروف.

ما نبتغيه هو التوقف عن كوننا كيس ملاكمة (ملطشة) للركل واللكم والصفع .. لابد للمهزلة أن تتوقف.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …