خلود الفلاح
محمد مصلي مخرج أفلام وثائقية ليبي، يؤمن أن الفيلم الوثائقي ليس وسيلة للتوثيق فقط، بل أداة للوعي والتغيير الاجتماعي.
يواصل البحث عن الإنسان في أكثر حالاته هشاشة وصدقا، مؤمنًا بأن السينما ستظل قادرة على منح الحكايات صوتا وصورة.
من “حدّاد تاورغاء” إلى “بطلة”، يصنع محمد مصلي أفلامًا تشبه الناس وتروي وجعهم.
في هذا الحوار يتحدث محمد مصلي عن شغفه بالسينما، عن الصعوبات التي تواجه صُنّاع السينما، وعن الأمل في أن تعود الشاشة الكبيرة إلى ليبيا.
ـ أنتجت أربعة أفلام وثائقية حدّاد تاورغاء، إلى المجلس، وحقوق تائهة، وبطلة. ما الذي دفعك لاختيار الفيلم الوثائقي تحديدا كوسيلة تعبير؟
ـ الفن بشكل عام هو مرآة المجتمع، كان مسرح، سينما، غناء، حتى كشك الشعبي تعبير عن حالة ما داخل المجتمع؛ المخرج الايطالي فيدريكو فيليني حين سُأل ذات مرة:”لماذا اخترت أو لماذا تعشق صناعة الأفلام الوثائقية؟ فكانت إجابته: ” لا يوجد ما هو أكثر روعة من الواقع”.
الأفلام الوثائقية تلامس الناس بسبب واقعيتها وتأثيرها يكون أكبر، ونحن نعيش في زمن الفوضى المنظمة، فأعتقد أن الأفلام الوثائقية أفضل وسيلة لإحداث التغيير، ناهيك أنني أحب الاستماع للناس، وأكون جزء من حكايتهم، في الأفلام الوثائقية أجد نفسي وتصبح قصص الناس قصتي، أشعر أنني حر.
ـ حققت أفلامك “بطلة” و” حقوق تائهة” العديد من الجوائز. ما المعايير التي تجعلك تقول “هذا موضوع يستحق أن يكون فيلماً وثائقياً”؟
ـ القصة، هنالك قصص كثيرة ولكن كيفية تناول هذه القصة هو مفتاح الرواية، وحتى أن روت من قبل، لكن المخرج الذي يفكر خارج المألوف هو من ينجح في ذلك، أحيانًا الناس ترى موضوع عادي، ولكن يأتي مخرج ما وينظر له بزاوية مختلفة وبرؤية اخراجية جديدة ينتج لنا فيلم يشد الانتباه ويضع القصة والقضية في مسار الحوار والنقاش. بشكل عام أركز على قيمة الانسان، هذا ما يهم وهذا معايري في كل أفلامي.
ـ إن المتأمل في تاريخ السينما الليبية يمكنه أن يلاحظ وجود جيل من الشباب السينمائيين يقدمون مساعي جادة على المستوى الفردي لتحريك عجلة السينما داخل البلاد. ما أصعب العقبات التي واجهتها أثناء تصوير أفلامك؟
ـ التمويل والانتاج، ليس لدينا بنية تحتية سينمائية يمكنها أن تولد صناعة داخل البلاد، أبسط هذه الأمور دار عرض للأفلام لا توجد في ليبيا كاملة، ايضًا الفجوة الزمنية الكبيرة التي حدثت منذ اغلاق دور العرض حتى يومنا هذا، اختفت ثقافة المشاهدة الجمعية لدى الناس، عليك أن تخلق ثقافة سينمائية في البلاد، ومن ثم يمكن للقطاع الخاص أن يستثمر في صناعة السينما، فالقطاع العام لن يستطيع لوحده في ظل الأوضاع التي تشهدها ليبيا. نحن كصنّاع نفتقد لوجود كيان مثل صندوق دعم للأفلام. كل الدول لديها صناديق داعمة بدل من طرق أبواب المنظمات الدولية والسفارات والتي لها وعليها من أمور، فلهذا ما نقوم به عبارة عن صناعة مستقلة.
ـ في أفلامك نلمس اقتراباً واضحاً من الواقع ومحاولة لفهمه بعمق، كما في تناولك قصة الرياضية سعاد، وهي امرأة من ذوي الإعاقة، في فيلم بطلة، إضافة إلى طرحك لموضوع سيادة القانون في فيلم “حقوق تائهة”. إلى أي مدى تؤمن بقدرة الفيلم الوثائقي على تجاوز حدود التوثيق نحو إحداث أثر اجتماعي أو سياسي؟
ـ لدي إيمان قوي أننا عبر الأفلام الوثائقية يمكننا أن نخلق مجتمع ناضج ويعي حقوقه ويطالب بها، كما حدث بعد عرض فيلم “بطلة” في عدة مدن وتناول الإعلام المحلي الفيلم في أكثر من مناسبة، ماذا حدث؟ قام صندوق التضامن الاجتماعي بالنظر في قضية سعاد، وقام مشكور بحل مشكلتين أساسيتين لديها، وهذا هو الإنجاز والجائزة الكبرى بالنسبة لنا.
الأفلام الوثائقية تفتح أبواب النقاش والحوار، بمجرد أن تطرح تساؤل ما عبر سرد قصة ما، هنا خلقت براح وبيئة للبحث، ففي فيلم “حقوق تائهة” بعد عرضه للجمهور، خرجت الناس تسأل، كيف يحدث هذا لناس تعيش معنا، وفتح الفيلم لصحفيين استقصائيين المجال للبحث أكثر حول قضية الفيلم، وعبر بحثهم قدموا فيلم وثائقي حول القضية ولكن بتعمق أكثر وبتفاصيل قانونية.
ـ ما الأسلوب الفني الذي تفضله في أفلامك (السرد، الملاحقة بالكاميرا، المقابلات)؟
ـ أفضل السرد القصصي، القصة تروى بلسان أصحابها مع العدسة الحرة التي تتنقل بك في مسار حياة الشخصيات لتعيش معهم وكأنك بينهم.
هذا الأسلوب يقربك أكثر من قضايا الناس ويحرك ضميرك، لأنك سترى إنسان مثلك ولكن بظروف أخرى، قد تتشابه ولكن بزاوية مختلفة.
ـ ما الذي تأمل أن يخرج به المشاهد بعد مشاهدة أفلامك؟
ـ أن يطرح سؤال، ويذهب بتفكيره لتحليل قصة الفيلم، وأن يضع نفسه مكان أبطاله، بمجرد أن بحدث هذا، ستكون النتيجة وعي ونضج أكثر في التفكير، ويصبح التفكير جماعي لحل قضايا أو تغيير أشياء للأفضل، أعتقد أن الأفلام الوثائقية عبارة عن صحوة مجتمعية.
ـ ما الفيلم الأقرب إلى قلبك ولماذا؟
ـ الفيلم الأقرب لي لم أبدأ تصويره حتى الآن، لسبب واحد، حاليًا ليس لدي الإمكانيات لإنتاجه، رغم أن تكلفته لا تتجاوز ال 50 ألف دينار ليبي، لماذا قريب مني، لأنه يمثلني ويمثل كل صانع الأفلام في ليبيا وحتى الوطن العربي، اسميته (حدث ذات مرة في مصراته) فيلم عن المثابرة والصمت والسينما في مكان منسي.
ـ كيف ترى مستقبل الفيلم الوثائقي في ليبيا؟
ـ الطريق طويلة، إذا لم يدخل الاستثمار في قطاع السينما، ستظل صناعة مستقلة، وبالنسبة للقنوات التلفزية، لديها إدارة محتوى أغلبهم يضع في الخارطة الأفلام الوثائقية كتكملة للساعة التلفزية، ويعرض في تواقيت غير مناسبة.
ـ إلى متى يمكن الاعتماد على السينما المستقلة والمحاولات الفردية لإحياء ثقافة السينما في ليبيا؟
لا أدري، سؤال أطرحه على نفسي منذ مدة، وصلت لمرحلة ماذا بعد؟ إلى متى؟ لا أخفيك سرًا أفكر في التوقف سنة، سنتين، لا أعلم..
ربما أغيّر المجال، أنا انسان ولديّ التزامات أسرية، حتى وإن كانت داعمة لي وبقوة، ولكن يجب أن أفكر بهم ولا أكون أنانيًا.
ـ كيف أثرت التجارب السينمائية الكبرى مثل الرسالة وعمر المختار والشظية وتاقرفت في تشكيل وعي الجيل الجديد من السينمائيين الليبيين؟
ـ للأسف الشديد، الجيل الجديد لم يشاهد الأعمال الليبية، طبعًا “الرسالة” و”عمر المختار” أفلام غير مسجلة باسم ليبيا، فهي تعتبر أفلام غير ليبية، الأفلام مسجلة وملكيتها لشركة مصطفى العقاد وورثته. لا أدري أين ذهب ارشيف السينما الليبية، ولماذا لا تعرض القنوات الرسمية هذه الأفلام، أو تقوم الهيئة العامة للسينما والمسرح بعروض شهرية لتعريف الجيل الجديد بها، هنالك مسرح بمعهد جمال الدين ميلادي، يمكن عرض فيلم واحد كل شهر، كتشجيع على عودة الثقافة الجمعية، خلق بيئة نقاش ونقد بعد العروض، لابد أن يتعرف الجيل الجديد ويشاهد ما انجز سابقًا ويبني عليه المستقبل. كما قلت لك هنالك فجوة زمنية كبيرة بين الأجيال السينمائية الليبية، ما أراه ليس هنالك تأثير مباشر، والأمر بسيط لأن جلهم لم يشاهد هذه الأعمال.
ـ فيلم “جارة الوادي” متى سيرى النور؟
ـ أكملنا التصوير في نهاية أغسطس الماضي، حيث كان التصوير على ثلاث مراحل على مدى 11 شهرًا وتوقف العمل. يفترض أن يدخل لعمليات المونتاج، ولكن ليس هنالك أي دعم مالي للفيلم، ننتظر حتى نجمع المال من أعمالنا الخاصة، لكن غالبًا سيكون في منتصف 2026.