محمد مختار أيقونة كل العيد
عبدالله الزائدي
في كل عيد يردد الناس مع الإذاعات المحلية اغنية مبروك عيدك يا عزيز علي ، للفنان الراحل محمد مختار ، وتذاع الاغنية ايضا بأصوات عدد من الفنانين الشباب من الذين يرون أن الاستثمار في الأعمال القديمة الناجحة نجاح ، ويتذكر الجيل القديم محمد مختار كنجم شعبي مهم ، اطرب الناس عبر الاذاعة والحفلات ، وحافظ على سيرة فنية كانت نموذجا للفن الراقي ، فبرغم أن مبروك عيدك هي من أشهر أغاني الراحل والمرتبطة بالعيد الان انه صاحب رحلة فنية جميلة ، أراد هو قطعها بالاعتزال، ولم يغني حتى توقف قلبه عن النبض ويبقى الصيت والاثر ، رحل الكبير محمد مختار ، عن عمر ناهز 83 عاما عاشها مسالما كريما عفيفا ، لم يعكر صفو ايامه خلاف أو مشاحنة مع زملاءه الفنانين ، ولم يعرف عنه غير الوقار والرصانة ، لم يتاجر بفنه يوما ، ولم يسعى الى جمع المال او التسلق لاي مسئول ، ولم يسعى في البحث عن الشهرة والمكانة من بوابة التملق على الابواب ، عاش شريفا عفيفا بفنه ورحل بلا ضجيج ، تاركا بصمة انسانية خالصة غير مختلطة برياء . ولد الراحل محمد على الزريدي وهذا اسمه الحقيقي في بنغازي عام 1938 وعاش في طفولته حياة مكابدة اضطرته لترك مقاعد الدراسة مبكرا جدا ،والعمل في مهن مختلفة وهو في أول صباه ، وكان وسط هذه المشاق شغوفا بالفن ، متمتعا بصوت جميل. دفعه عشقه للفن الى الغناء في الحفلات ، وذات يوم أشار عليه الفنانان رجب بوزنوكة وفرج خميس بالتوجه لقسم الموسيقى بالإذاعة ببنغازي ، وكان مقر القسم في ذلك الزمن بحي راس اعبيدة ، وتحمس الشاب الطموح للفكرة وانطلق الى القسم ، ووجد امامه الفنان الراحل على الشعالية يرأس القسم ، وهناك استمع اليه الشعالية ،فأعجب بصوته ، وعلى الفور أعطاه كلمات شعرية وطلب منه حفظها ، و بإقبال شديد حفظ الشاب المولع بالغناء الكلمات ، والتى سيغنيها ، لكنه وفي خضم حماسه هذا توقف لحظة ، فأمامه حاجز كبير ، اذ لم يكن الغناء عملا يحظى بالمكانة الاجتماعية ان ذاك ، ولم يكن الناس يرحبون به كعمل لابنائهم ، وهنا كان أمام الشاب الشغوف بالفن أن يختار اسما مستعارا لصوته الجميل ،وكان ان اختار اسم ( محمد مختار ) ، وهكذا قرر أن يدخل المجال الفني من باب الاذاعة ، وهو بعد دون الثامنة عشر من عمره ، ارتاح الشاب الموهوب لفكرة الاسم المستعار ، وحفظ اللحن من على الشعالية وكانت الكلمات للشاعر عبدالحميد مساعد ويقول مطلعها ( عقلي وعيني بايتات سمارة ، لهن وقت ماشافن كحيل انظاره) وسجل العمل عام 1957 ليكون نقطة انطلاق لواحد من أجمل وأشهر الأصوات الشعبية في الاذاعة الليبية ، و سجل عمله الثاني ( وحق الغرام اللي نزل في قلبي ) من كلمات محمد المريمي والحان على قدورة وكان في بداية عام 58 اي بعد أشهر قليلة من الاغنية الاولى ، ونجاح محمد مختار في ذلك الزمن كان وفي قسم الفنانون على الشعالية و سيد بوميدن وعلى قدورة وسليمان بن زبلح وسالم الواداوي وسالم الرشداوي وفرج خميس ومفتاح الجديد وفوزية محمود ومحمد القداري ومحمد السوكني وسالم زايد ورجب البكوش، وفيهم المطرب والممثل والمخرج والعازف ، كانوا نواة لتأسيس العمل الفني الإذاعي في بنغازي، ووسط هذه الاسماء بات محمد مختار علامة مهمة ، وأعماله محكوم بنجاحها قبل اذاعتها .واستمر الشاب محققا تفوقه ، وبعد سنوات استمع له الفنان الكبير حسن عريبي ــ الشاب في ذلك الوقت ــ وقدم له اغنية ( قلبي انكوى من نارك ) من كلمات محمد المريمي ،وقد بات صوت محمد مختار بوابة النجاح لأي عمل غنائي ،وكل الملحنين يتهافتون على صوته الجميل ، وتواصلت أعماله وحضوره زمنا حتى التسعينات، عندما قرر الابتعاد عن الغناء ،وفي رصيده نحو مائة عمل غنائي . نذكر منها مبروك عيدك، ليش دمعتك، فيما فات، يا ليبيا، اصحى وشوف، الله يا رحمن، العزيز الغالي، حلوة يا بلادي، داري دموعك، ذبل خاطري، عقلي وعيني، عمري بحبك فايحات زهوره، في ما فات يا ما، قلبي انكوى، لنظار مظلومات، لو ياخذوك الناس، ليش دمعتك، ما نسيت عهدك، ولم يتحدث الراحل عن أسباب قراره الاعتزال ، لكنه بقي صاحب صورة ناصعة في الفن الليبيوخلال مسيرته نوع الراحل من اغانيه لكنه احتفظ بالخط الإنساني في كل أعماله ، غنى للقضية الفلسطينية بعد نكسة 67 ( بالنار والدمار وحتمية الانتصار ) من كلمات احمد الورفلي والحان عبد الجليل خالد ،وغنى للوطن ( ضنا وطني ناس اجاويد عصارة ما يرضو بالكيد ) كلمات محمود العبدلي وألحان على ابوالسعيد ، كما اشترك في اوبريت البادية الذي كتبه عبد ربه الغناي واعده ولحنه الفنان حسن عريبي ، واشترك في ملحمة انغام خالدة التى كتبها عبدالسلام قادربوهارتبط الراحل بصداقة متينة مع جاره الشاعر محمد مخلوف وكان مخلوف شاعرا صعبا في التعامل ، لا يقبل أن يتصرف أي ملحن في كلمة من شعره ، إلا أنه شكل مع محمد مختار ثنائيا ناجحا ، ولعل أكثر عمل اشتهر للراحل اغنية مبروك عيدك يا عزيز علي ، وهي من تأليف محمد مخلوف ولحن الموسيقار يوسف العلم ، وباتت هذه اغنية تذاع في كل مناسبة عيد واعاد غنائها الفنان الشعبي الشاب حسن البيجو بتوزيع جديد لما ما للعمل من شهرة وكمثل اصوات شابة أخرى غنت العمل الشهير استثمارا في نجاحه .وبعد هذه الحياة الحافلة وللأسف لم يكرم محمد مختار في حياته من الدولة ،وفي اي عصر عاشه ،رغم سيرته الفنية المهمة ، قد يكون السبب او هو السبب بالفعل عزة نفسه ، اذ لم يكن طارقا لابواب المسئولين أو ساعيا لارضاء اي أحد ، عاش بالفن للفن وذا فتكريمه الحب والاحترام الذي عاش يحظى به ايقونة الفن والحياة والعيد .