حـديـث الثـلاثـاء
السودان والحدود الليبية
حدث ما كان متوقعا في السودان، واندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات أخرى موازية للجيش تسمى (قوات الدعم السريع)، والمتابع لما يحدث في السودان منذ عهد الرئيس السابق حسن البشير يدرك أن الصدام بين القوتين قادم لا محالة، فما قام به الرئيس البشير في ذلك الوقت من تشكيل ودعم وشرعنة لمليشيات الجنجويد التي كانت تقاتل المتمردين نيابة عن الجيش السوداني في دارفور دون السيطرة عليها، يؤدي حتما إلى هذه النتيجة.
ويقود ميليشيات الدعم السريع المدعو محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي)، والذي كان حتى عام 2003 تاجر جمال وأغنام يمارس تجارته في المناطق الحدودية بين ليبيا والسودان وتشاد، حتى نهبت تجارته وهي في طريقها إلى ليبيا من طرف القوات المتحاربة في دارفور، انظم بعدها حمديتي للميليشيات المقاتلة المدعومة من الحكومة ضد المتمردين، وأصبح في وقت قصير زعيما لهذه الميلشيات، ثم قام نظام البشير في عام 2013م بتسمية هذه الميليشيات (قوات الدعم السريع، وتم وصفها بأنها قوات عسكرية قومية تعمل تحت أمرة القائد العام )، كما تم منح حمدان دقلو (حميدتي ) رتبة عسكرية كبيرة رغم أن تعليمه لم يتجاوز المرحلة الابتدائية، وانتقل إلى أعلى الرتب العسكرية في عهد البشير رغم اعتراض الكثيرين من قيادات القوات المسلحة على ذلك، حتى أن حميدتي لم يبقى في رتبة لواء سوى عامين ليصبح في رتبة فريق وهي رتبة قائد عام الجيش.
وبلغ من سطوة هذه الميليشيات أثناء حكم البشير أن أجبرت المجلس الوطني (البرلمان السوداني) عام 2017 على إصدار قانون أجاز عملها مستقلة، دون سيطرة الجيش عليها ودون خضوعها لأحكام قانون القوات المسلحة، وأن يعين قائدها من طرف رئيس الجمهورية دون عرض أو اعتراض من وزير الدفاع، كما تم تخصيص ميزانيات ضخمة لها، ويقدر عدد أفرادها بما يزيد عن مائة ألف مقاتل.
حاول نظام البشير في البداية استخدام هذه الميليشيات كحرس حدود بين السودان وليبيا، والسودان وارتريا، واستغلها نظام البشير في إرسال مقاتلين منها إلى حرب اليمن، الأمر الذي استغله حمدان دقلو (حميدتي) لتقوية علاقاته الخاصة بحكام الخليج.
في ابريل 2019 تخلى زعيم مليشيات الدعم السريع عن الرئيس البشير وشارك في الانقلاب عليه بعد المظاهرات التي استمرت عدة أشهر مطالبة برحيل حسن البشير ليقفز زعيم الميليشيا برفقة قائد الجيش إلى زعامة البلاد فيصبح الفريق عبد الفتاح البرهان قائد الجيش رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي ويصبح الفريق حميدتي ( زعيم الميليشيا ) نائبا له.
تعالت الأصوات في الفترة الأخيرة مطالبة بدمج ميليشيا الدعم السريع في الجيش النظامي، وحدد قائد الجيش الشروط التي يراها مناسبة للدمج، لكن قائد الميليشيات رفضها ووضع شروطا أخرى تناسبه، هنا كانت لحظة الصدام المرتقبة، وما يهمنا في هذا الموضوع إضافة إلى سلامة الشعب السوداني الشقيق هو سلامة بلادنا، حيث أن نتيجة هذه الحرب قد تفضي إلى انتصار الجيش السوداني على ميليشيات الدعم السريع، والتي ستخرج من العاصمة الخرطوم والمدن الهامة، وسترجع إلي قواعدها الأصلية في دارفور قرب الحدود الليبية، ونعلم جميعا حجم الفراغ الذي تعانيه المناطق الصحراوية في جنوب ليبيا، فعلى الأطراف العسكرية الليبية التي اتفقت أخيرا على تشكيل قوات مشتركة لحماية الحدود الانتباه لما قد يحدث من تطورات.