في مثل هذا اليوم، توقف قلب كان يضخ الموسيقى في عروق الوطن، ورحل جسد وبقي صوت يمثل “الهوية الليبية” في أبهى تجلياتها. اليوم تمر الذكرى الثامنة لرحيل مدرسة النغم، وحارس التراث الأصيل، الفنان القدير محمد حسن.
ففي السابع عشر من ديسمبر 2017، أسدل الستار على رحلة نغم ليبي لم تتوقف ولن تنهيها السنون، ثماني سنوات مرت على غياب الرجل الذي لم يكن مجرد مطرب أو ملحن، بل كان مشروعاً وطنياً متكاملاً، نجح في اختزال جغرافيا ليبيا، وتاريخ أجدادها، وعطر واحاتها، في جملة لحنية عابرة للحدود والقلوب.
من بنغازي بدأت سيرة الوفاء للأصل بدأ محمد حسن مسيرته في ستينيات القرن الماضي من مدينة بنغازي، حاملاً عوده كشاهد على تفاصيل الحياة الليبية. لم يكتفِ بالأغنية ، بل غاص في أعماق الهوية عبر ملاحم فنية كبرى مثل “النجع” و”الواحة”، حيث نفض الغبار عن الأهازيج المنسية، وأعاد صياغتها برؤية عصرية جعلت الأجيال الشابة تلتف حول تراثها بفخر.
الموسيقار الذي طوّع حناجر الكبار فلم تكن عبقريته حبيسة النطاق المحلي، بل كان سفيراً فوق العادة للفن الليبي. هو الذي منح “وردة الجزائرية” ألحاناً خلدت في ذاكرتها مثل “لي باعونا”، وهو الذي صاغ للطيفة” و”ذكرى” و”أنغام” و”غادة رجب” ألحاناً حملت البصمة الليبية إلى كل بيت عربي. وفي لحظة مجدٍ استثنائية عام 2002، وقف تحت قبة “رويال ألبرت هول” في لندن، ليغني لـ 5 ساعات متواصلة، محولاً ضباب الضفة الأخرى إلى شمسٍ ليبية دافئة.
الرحيل الصامت والبقاء الصاخب بعد صراع مرير وقاس مع المرض، غادرنا محمد حسن في إحدى مصحات تونس، تاركاً خلفه إرثاً لا يموت. “يسلم عليك العقل”، “يا ريح هدي”، “من طبرق طير يا حمام”، و”طق العود” وغيرها .. ليست مجرد أغنيات، بل هي وشائج التواصل بين الليبيين في لحظات الفرح والوجع.
في ذكرى رحيله، لا يبكيه الليبيون كفنان غائب، بل يستحضرونه كقيمة باقية، يطل بلحنه كلما اشتاق الناس إلى “صوت الأرض” وأصالة الانتماء. سلامٌ على روحك يا أبا “النجع”، بقدر ما زرعت في نفوسنا من حبٍّ لهذا الوطن.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية