تقرير| هدى الغيطاني
بعد مسيرة من العطاء والعمل الجاد توفي الأستاذ محمد حسن الهنيد تاركا وراءه تاريخ يتحدث عن مسيرته.
الحاج محمد كما يطلق عليه ولد في مدينة درنة عام 1932 م بشارع البحر، ينتمي لأب لم يترك الجهاد ضد الإيطاليين إلا بعد استشهاد شيخ الشهداء عمر المختار ليحصل عن جدارة على وسام الجهاد، وتوفي شهيدا إثر انفجار علبة بارود من بقايا الاحتلال الإيطالي، ليترك نجله محمد طفلا لم يتجاوز الـ 14 عاما.
سيرته الذاتية
درس الحاج محمد بمدرسة النصر العربية الابتدائية بمدينة درنة عام 1942م التابعة لإدارة المعارف بالإدارة البريطانية العسكرية ببرقة، ثم أكمل تعليمه بمعهد المعلمين في بنغازي وكان أحد أبناء الدفعة الأولى للمعهد ليتخرج حاصلا على دبلوم معلمين في مادة التربية الفنية وتم تعيينه مدرساً لمادة الرسم في مدرسة الأبيار الداخلية.عمل الحاج محمد الهنيد في التدريس 16 عاما
توزعت في عدة مدارس قبل أن يصبح ناظرا لمدرسة سوسة الداخلية لمدة 10 سنوات، ليحرك الأنشطة في المدرسة ويشجعها ويقوم بعدة أعمال مسرحية وأدبية وفنية ويُعتبر من رواد الحركة الفنية المعاصرة، ثم عمل موجها في عدة مناطق قبل أن يتفرغ للعمل بجمعية الهيلع للدراسات الميدانية ولم يتجاوز عمره 44 عاما.
الهنيد كان ملما باللغتين الإنجليزية واليونانية، ما أهله لزيارة عدة دول منها( ألمانيا – اليونان – تركيا – مالطا – قبرص – سوريا – لبنان – السعودية – تونس – مصر ) .البيئة المحيطة بالهنيد انعكست على هوايته فكان مولعا بكل غريب ومثير، فعمل على تنمية هواياته المختلفة من سباحة وغطس وصيد بحري وبري حيث كان أول من استعمل بندقية صيد الأسماك (الفيزقا) في المنطقة الشرقية، كما هوى العزف على المزمار الشعبي والناي والرسم والنحت والتحنيط والتصوير الفوتوغرافي، إضافة إلى رياضات الجمباز والعقلة والركض والمتوازي، فحصل على بطولات في رياضة العقلة والمتوازي والسباحة وكذلك متحصل على العديد من الأوسمة وشهادات التكريم والتقدير .برزت محبته للرياضات المختلفة في إحياء أنشطة المدارس التي عمل بها، كما عمل على إنشاء العديد من الجمعيات في مجالات مختلفة تاريخية وجغرافية وغيرها في المدارس التي عمل بها وأطلق على أحداها جمعية المغامر أو فريق المغامرون، أيضا أصدرت مدرسة الابيار التي عمل بها -12- جريدة حائطية إحداها خصصت لتناول المواضيع ذات الصلة بالاستكشاف والتنقيب وبكل ما هو غريب، لذلك كان سبباً في انشاء جيل من المغامرين والمستكشفين والمبدعين والفنانين .استكشافاته
وكان الهنيد من المستكشفين الأوائل في ليبيا، فقد اكتشف العديد من الكهوف والمغارات والمدن الأثرية حتى داخل البحر ، ويعتبر من أوائل متسلقي الأوشاز (المعلقات الأثرية) ، والمغامرين الذين اكتشفوا الكثير والكثير مما يزخر به وطننا الحبيب من مناطق ومدن أثرية وكهوف طبيعية ومعلقات وآبار وتصدعات أرضية ومناطق سياحية ، ومن أول اكتشافاته كان عام 1957م كهف وادي الصخرة غربي مدينة سوسة 7 كم وهو أول اكتشاف يسجل باسمه بدائرة أثار شحات.من نشاطاته جمع الآثار والعملات ومقتنيات التراث الشعبي الليبي والمحنطات والأعشاب الطبية حيث اكتشف علاج لبعض الأمراض السارية منها التهاب الكبد”، المسمى أيضاً “هيباتيتيس” أو “الصفار” وذلك عن طريق نبتة العقول الشوكية التي تتكاثر بمنطقة الجغبوب.
وبسبب هوايته في صيد الأفاعي والثعابين والحيوانات الضارية مثل الضبع ، قام بتربيتها بجمعية الهيلع وقد قام بعدة مباريات بين حيوان الضبع والحمار ، وغيرها من الأنشطة الموثقة بالفيديو .وبانتقاله إلى مدينة البيضاء في نهاية الستينات استمر في نشاطاته وقام بإنشاء متحف للمقتنيات الشعبية والقطع الاثرية التي جمعها في جراج منزله بمدينة البيضاء حيث أنشأ نواة جمعية الهيلع، وبرجوعه الى مدينة درنة مطلع السبيعينات أنشأ متحف في بيته بالطابق العلوي ، ومن ثم تم إنشاء جمعية الهيلع للدراسات الميدانية بشكل رسمي واشهارها عام 1975م ، وكان أول مقر لها في الطابق السفلي لمجمع الأمانات بدرنة ومن ثم تم انتقال الجمعية أسفل مقر مجمع المحاكم بدرنة .
جمعية الهليع
جمعية الهليع تعتبر من أول الجمعيات العلمية في ليبيا، حيث أسست تحت اسم المغامرون في خمسينات القرن الماضي ، وأغلب عناصر مؤسسيها من مدينة سوسه .
جميعة الهليع تواصلت اكتشافاتها لتصل في عام 1977م إلى 50 كهفاً كان آخرها كهف شقية ، الذي يقع شرق وادي درنة ، وكذلك اكتشاف 15 فراغاً تحت الأرض أشهرها هوى السعد الواقع شمال قصر ليبيا وهوى الأبرق الواقع بإحدى مزارع الأبرق واكتشاف عشرين معلقة أكبرها معلقة أم السموم بوادي الكوف ومعلقة احطاز بوادي درنة ،
واكتشاف بقايا مدينة أثرية غارقة تحت الماء بمنطقة العقيلة غرب الحنية ، وكذلك دراسة عدة ظواهر طبيعية من تشققات وتصدعات بالأرض منها التشقق الممتد من رأس كيكبان إلى قرية بوهندي الأثرية والممتد لمسافة 40 كيلومتر .
ومن نشاطات الجمعية اكتشاف العديد من المعادن مثل خام النحاس والجبس في منطقه أم البريكات شرق مدينه درنة وتقديمها للمهتمين في هذا المجال، وكذلك النباتات والأعشاب البرية والطبية، كما اهتمت بجمع الطوابع وصور الحروب والمعارك التي خاضها الآباء والأجداد ضد الاستعمار الايطالي، وكذلك العملات الورقية والمعدنية، إضافة إلى الاهتمام بالحفريات والنقوش والآثار ومحاولة دراستها وفك طلاسمها، وكذلك المقتنيات الشعبية والتراثية وترميمها.
واهتمت الجمعية أيضا بدراسة الحيوانات والتعرف على طباعها وسلوكها، إلى جانب التحنيط خاصة تحنيط الحيوانات، حتى حققت الجمعية نجاحا ملحوظا في هذا المجال، كما شاركت الجمعية بمعرض شعبي في مدينة برلين بألمانيا الشرقية عام 1979م صحبة فرقة درنة للفنون الشعبية، وأقامت في عام 1986 معرضين للآثار الإسلامية والجهاد الليبي والنباتات الطبية بكلية الصيدلة بطرابلس.
وكانت آخر نشاطات الجمعية البارزة زراعة الأسماك في منطقة الجغبوب عام 1995 م في بحيرة الملفا وبحيرة العراشية والفريدغة، ولازالت تتكاثر الأسماك فيها حتى الآن، إلا أن الجمعية تعرضت لاعتداء على مقرها الواقع تحت مجمع المحاكم والاستحواذ على مقتنياتها والعبث بها.