منصة الصباح

محبة ..

جمال الزائدي

تأثيث الأمكنة واللحظات  بالألفة  والمحبة  هواية أساسية للأرواح النظيفة المطعمة تطعيم ثلاثي معزز   ضد التلوث والحقد والحسد وبقية الأمراض والأوبئة  القاتلة في هذا العصر وكل العصور ..

إننا  نولد  متشابهين .. أطفال أبرياء على تخوم البرزخ .. تملاؤنا الآمال والاحلام  ذاتها ويلهب أنفاسنا  التوق والشغف ذاته.. نصبو  إلى ما فوق بشريتنا ..إلى الكمال المنجز الذي  يضعنا في مصاف الأبطال والعظماء و الاستثنائيين…

ثم نكبر فتتفرق  بنا السُبل.. تكسرنا  الظروف التي ننشأ فيها .. شخصيات أهلنا وطبائعهم ومقدار الدعم الذي يقدمونه  ..ناهيك عن الشرط الاقتصادي والاجتماعي الذي يكتنف مسيرتنا..  كلها عوامل تفضي بنا في النهاية  إلى ان نتوزع  الادوار الكلاسيكية نفسها تلك المؤسسة للأساطير والحكايات والقصص التي كانت ترويها الجدات في ليالي السمر الطويلة قبل ظهور الكهرباء و بعد ظهورها أيضا خصوصا في بلاد داهمها الربيع باكرا كبلادنا على سبيل المثال..  ينضج   بعضنا  ليحقق كل احلامه أو على الأقل بعضها.. وينضج   بعضناَ الآخر على نار الخيبات المتتالية  فيقع أسيرا في يد اليأس والفشل  ..

أياَ ما كان المصير الذي ينتظرنا ونحن نعبر  بحر  الأحلام  على قارب  الطفولة .. فإن ما يجنبنا إحتمالية السقوط في جحيم المرارة  القاتلة هو  التمسك  بالأمل في أن براءتنا  ونقاءنا جزء  راسخ في جبلتنا الأولى وعنصراَ أصيلا  في طبيعة خلقنا .. حيث تظل البهجة و المحبة مرتبطة   بالزمان والمكان  أينما نحلّ  وحتى حين  نرحل ..

إن المرارة  التي تفيض بها القلوب التي تحطمت قواربها على صخور شاطيء الواقع يمكنها أن تسمم  الحياة  والوجود  بأسره إذا تركت دون علاج  حقيقي .. هذا العلاج لا تصنعه معامل الدواء العملاقة  في الدول المتقدمة   ولن نجده في دكاكين العطارين أو وصفات  المعالجين  الروحانيين لكنه ينبت فقط في  تلك المساحة المضيئة الصغيرة التي نحتفظ بها من أزمنة  الطفولة محمية من التلوث برغم كل ما قد نكون كابدناه في مسيرة كدحنا الملحمية..إننا نحتاج الى الايمان بوجود هذه المساحة كحاجتنا السرمدية للايمان بالله وبتحقق العدل والانصاف في حياة أخرى نسترد فيها كل ماخسرناه من وجودنا الانساني النبيل في معركة البقاء الدنيوية ..

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …