منصة الصباح

محاسن الحجر الصحي في انعاش الحميمية الأسرية!

 

رصد: كوثر الفرجاني

أكدت العديد من الأسر الليبية بعد اقرار فرض الحجر الصحي المنزلي في عموم البلاد، أن الحجر فرصة مواتية للتقارب الحميميي بين أفرادها، بخلاف آخرون كثر رأوا فيها تحديا صعبا مع تغير روتين الحياة اليومي.
وبالنظر الى طبيعة الحجر الصحي المنزلي، وضرورته الملحة للحفاظ على السلامة العامة، أصبحت العلاقات والروابط بين العائلات في ظل هذه الأوضاع محل اختبار صعب!.
ففي أيامنا هذه، ومع انهماك الجميع في محاولة للتقارب عبر مختلف وسائل التواصل لكسر شروط التباعد الاجتماعي، باتت الفرصة مواتية وملحه لانعاش حميمية العلاقات الأسرية، وهي اللحظات التي تجمع أفراد العائلة في المنزل، فغالبا ما كان الناس “قبل الكورونا” مشغولين بالذهاب إلى وظائفهم اليومية وقضاء حاجياتهم، ورؤية أشخاص آخرين، والتفاعل مع الأصدقاء بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وخلال هذه الأيام، وتزامنا مع الحجر الصحي أو المنزلي مع التحفظ على الاختلاف بينهما، تنطلق عبر “السوشيال ميديا” العديد من الحملات التوعوية التي حظيت بشعبية كبيرة في البلاد، لما تحمل مضامينها من نداءات عاجلة بضرورة الالتزام بالبقاء في البيت، والتي تأتي في إطار سلسلة من الاجراءات الاحترازية للحد من تفشي الفيروس، شملت تعليق الدوام بالمدارس والجامعات، وإغلاق المطاعم والمقاهي، وتحديد وتنظيم مواعيد عمل الأسواق العامة” المولات”، مع فرض وزارة الداخلية حظر تجوال جزئي لمدة 12 ساعة في البلاد، تم تطبيقه عقب تسجيل أول حالة إصابة بفيروس كورونا منتصف مارس الماضي.

للوقوف على تداعيات هذه الاجراءات، ورصد طبيعة ما يحصل داخل البيت الليبي خلال أيام الحجر المنزلي، كانت ل”الصباح” جملة من اللقاءات، التي فرض علينا قرار الحظر الاجباري اجراءها عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

*فرصة لاستعادة الدفء العائلي

البداية كانت مع االإعلامية والفنانة الأردنية، المقيمة في طرابلس “هاجر الطيار”، التي أوضحت وفق تجربتها الشخصية، أن فترة حظر التجوال التي فرضتها ظروف مكافحة فيروس كورونا، منحتها الفرصة لاستعادة الدفء الأسري والأجواء الحميمية التي افتقدتها منذ فترة طويلة، بسبب ظروف العمل اليومي في “معهد الصم”، الذي تعتاش منه، علاوة على استنزاف جزء كبير من طاقتها خلال الفترات السابقة في الكثير من الأعمال والمهام والمشاركات التطوعية.
وأشارت الى أن أزمة “الكورونا” أجبرت الجميع على البقاء داخل منازلهم، وإعادة ترتيب أولوياتهم بما يضمن سلامتهم وسلامة المُحيطين بهم.
كما أكدت “الطيار” أن قرار الحظر ساهم في احياء دورها كزوجة وأم، كسابق عهدها، قبل الانشغال بأعمالها الفنية واهتماماتها الأخرى، ودفعها للدخول مرة أخرى للمطبخ لتحضير الوجبات الشهية، والاطمئنان على نظافة وتعقيم كل ما يقدم لها ولأسرتها الكبيرة المتكونة من خمسة أولاد شباب أغلبهم في الجامعات.
وختمت “الطيار” قائلة: ان التخلص من بعض العادات الاجتماعية السلبية، والحرص على النظافة الشخصية، باتت من أبرز مُكتسبات الحرب ضد جائحة كورونا، التي أجبرت الجميع على إعادة النظر في كيفية تعامل الإنسان مع كل ما يحيط به.

*دعوة لتطوير النفس وتغيير العادات السيئة

وترى الاختصاصية في علم النفس العيادي الأستاذة “ابتسام الحبيشي”، رئيس وحدة الوحدة النفسية بإدارة الحماية الصحية بالمركز الوطني لمكافحة الأمراض،.. ترى أن الابتعاد عن “التلفزيون”، ومواقع التواصل الإجتماعي خلال فترة الحجر المنزلي يعد مهما لما تشكله الأخبار المتداولة من ضغط كبير على المتابعين، مشيرة إلى ضرورة خلق روتين يومي بعيدا عن وسائل الإعلام والأجهزة الألكترونية، الأمر الذي من شأنه التسبب في خلق مشكلات سلوكية، حسب قولها، وفقدان حلقة التواصل بين أفراد الأسرة.
كما نوهت “الحبيشي” الى أن الحجر الصحي يعد فرصة لإعادة العلاقة بين العائلة الواحدة.
وقالت: “علينا أن نتفهم الحالات النفسية التي قد تصيب البعض بالهلع أو التوتر والقلق الشديدين، الى جانب بروز بعض الخلافات التي قد تتطور وتسبب في نشوء أذى جسدي ونفسي للبعض.. كل هذا، تضيف، يعتبر مسؤولية اجتماعية، ما يستدعي التعاون بين الجميع لتجاوز هذه الأزمة، ملمحة الى أن كثرة الخلافات الزوجية، أو النقاشات الحادة مع الأبناء، خاصة المراهقين الذين يرفضون الخضوع والامتثال للحجر الصحي، تستوجب على الآباء التعامل بهدوء وحكمة والتعالي عن مثل هذه المشاكل، وذلك لحساسية الأوضاع، لاسيما وأن فكرة البقاء في البيت لمدة طويلة لم يتعود عليها الجميع.

*تطوير النفس وتغيير العادات السيئة

وختمت “ابتسام الحبيشي” حديثها بالدعوة إلى استغلال البقاء في المنزل، كونه فرصة إيجابية للخلوة النفسية وبقاء الأبناء مع آبائهم، لاسيما بالنسبة للآباء العاملين، الذين لا يرون أبناءهم كثيرا، ويشتكون من عدم وجود الوقت، واغتنام فرصة الحجر الصحي لاكتشاف شخصيات الأبناء وتوجيههم وتنظيم العائلة، إضافة إلى أنه الوقت الأمثل لاستغلاله في تطوير النفس، وتغيير العادات السلبية من خلال ممارسة التمارين الرياضية والعقلية، والاهتمام أيضا، بالجانب الروحي، والالتزام بدورة نوم محددة.

*الوعي بطل المرحلة

وقال الإعلامي والمذيع براديو الشروق الأستاذ “مالك المانع”، إن المواطن الليبي يعد بطل هذه المرحلة التي تمر بها البلاد، حيث إن الشعب الليببي قوامه الرئيس هما المرأة والشباب، مناشدا إياهم الوقوف لجانب الدولة، والالتزام بكافة القرارات التي تتخذها للحد من انتشار فيروس كورونا.
وأضاف “المانع”: ان العالم أجمع يشهد هذه الأيام موسم نظافة غير مسبوق، والتلوث ينخفض في أقل درجاته تاريخيا، وهناك زوايا إيجابية لأزمة فيروس كورونا، وممارستنا الخاطئة في التعامل مع البيئة أصبحت أفضل، وكأن عملية “فلترة” تحصل لها وتجعلها أكثر نقاء من قبل، وهذا يحصل خلال هذه الفترة التي اجبر فيه سكان الكرة الأرضية على حجر صحي عالمي لمكافحة جانحة “الكورونا”.
كما أشار “المانع”، إلى أن كل شخص تقع عليه مسؤولية أساسية في إنجاح منظومة مواجهة فيروس كورونا، و التي تهدف للحفاظ على صحة الجميع، مناديا:
“من فضلكم.. قفوا مع البلاد، فهي بحاجة لكل نفس، الوطن وبيوتنا تحتاجنا، وحظر التجوال فرصة لقضاء وقت ممتع، وإعادة الحيوية للأسرة الليبية”.
وتابع :” حظر التجول فرصة لإعادة الترابط الأسري وترميم علاقاتنا من جديد، والعودة لقراءة الكتب والصحف والمجلات، وفرصة أن نترجم النقمة الى نعمة، وعلى كل مواطن وضع خطة لإدارة وقته خلال الأيام المحددة التي سيظل فيها بالمنزل”.

*ثقافة الاحتراز والتضامن

بدورها قالت الباحثة الاجتماعية “نعيمة سلامة”، رئيس فرع الشؤون الاجتماعية ببلدية الزاوية الغرب، إن الأسرة الليبية تشهد تدهورا فى العلاقات بين أفرادها، وهناك ارتفاع فى نسبة الطلاق، حبث تضاعفت فيها الحالات المسجلة، وأضحت ليبيا من ضمن أكثر الدول التي ارتفعت فيها معدلات حالات الطلاق، وهذا تؤكده سجلات وأرقام مجمع المحاكم بشارع السيدي، ولن نخوض فيها لأنها خارج سياق الموضوع، وإنما القصد هو التشخيص الفعلي لواقع الأسرة الليبية، سواء وفق “الكورونا” أو من دونها، فالأبواب المغلقة على سكانها تنضح بكثير من التفاصيل في أيام الحظر وغيره، والأوضاع في البيت الليبي لم تعد مجرد تجاذبات بين ربة البيت التي تشعر أنها تحمل الكوكب على رأسها، من خلال وظيفة تؤديها خارج المنزل وحزمة وظائف تصارع الزمن لإنجازها داخله، بينما رب البيت يرفع شعار “أذن من طين والأخرى من عجين”، مكتفياً بمهامه الوظيفية، وحباته تتأرجح بين المقهى والشارع والسيارة، فيما تبقى من ساعات الاستيقاظ، حتى الأسئلة التي ترد إلى برنامج تحسين العلاقات الاجتماعية وترميم المشكلات الأسرية لم تعد تدور في فلكها المعتاد، فعالم البيت تغير في “زمن كورونا”.، وكذلك هيكل المسؤوليات المتعارف عليها، وطبيعة العلاقات بين سكانه، جميعها جارٍ إعادة هيكلتها، فالتداعيات المجتمعية لفيروس كورونا في علاقتها بالحجر الصحي، وتعليق الدراسة، يمكنها أن تخلق سياقا جديدا لتوطيد قيم التشارك والتحاور والتداول داخل العائلة الصغيرة، ومن هذا المنطلق وجب إدراك فلسفة الحجر وتوصيفه على أساس أنه انغلاق ايجابي للعائلة حول ذاتها لإعادة التعارف والمكاشفة بين مكوناتها بعيدا عن كل أنانية أو تقصير مع باقي أفراد المجتمع، فالحجر الصحي، حسب قولها، يمكن اعتباره جسرا لثقافة الاحتراز والتضامن وكذلك معبرا نوعيا لممارسة مجتمعية جديدة تختلف في أنماط استهلاكها للمنتوجات المادية، كالعادات الغذائية، والرمزية كالعلاقات الأسرية، وتستفيد من “جائحة كورونا” التي أتاحت استغلالا واستثمارا للوقت والزمن متحررا من ضغط الالتزامات والمواعيد والطقوس اليومية، كما أن من حسنات الحجر الصحي عودة الأبناء لحضن وكنف الأسرة، والانفلات من قبضة فضاء افتراضي.
وفي المقابل، تضيف”سلامة”: يمكن للحجر الصحي أن يتيح هامشا تواصليا لترسيخ تنشئة أسرية يتم عبرها اكتشاف مزايا العيش المشترك، والتعاضد والروابط المشتركة، لا سيما مع بروز مبادرات مدنية لإرساء فضاء افتراضي “نقي” يرتكز على منظومة قيمية تنبني على التضامن والمواطنة، والتضحية والالتزام، وبناء مجتمع الثقة، مؤكدة على امكانية الاستفادة من تحول نوعي على الصعيد العائلي، للعودة إلى الحاضنة الأم، التي تتكون من مجموعة كبيرة من الحاضنات تبدأ بالحاضنة الأوسع وهي الوطن، وصولا لمحاضن التربية والتنشئة، ومن بينها الأسرة والعائلة.
وتختم الاستاذة “نعيمة سلامة” بالقول: أن زمن كورونا أعاد مقولة المراقبة او ما يعرف بالمعايشة كعنصر من عناصر التنشئة، لا سيما أن أولياء الأمور سيصبح بمقدورهم مراقبة أبناءهم، وعلى الأبناء أن لا يتجاهلوا مراقبة ذويهم، كما ستمكن هذه المتابعة و المصاحبة والمعايشة من إعادة تثبيت قيم المواطنة الواقعية، ومساءلة قيم المواطنة الافتراضية، أو بمعنى آخر، تعميق القيم المحلية والوطنية وترسيخ ممارسة التواصل الواقعي، وتقنين وضبط سلوكات الاتصال الرقمي للحيلولة دون خلق معازل وجزر جديدة داخل نفس الأسرة تتغدى من خطاب العداء والإقصاء والتنمر، وتفشي مسببات التنافر والتباين بين الأبناء و الآباء.

شاهد أيضاً

الرواية.. والابتعاد عن أدب البيئة والمناخ

    في كتابه “لماذا يجب أن تكون روائيا” يشير الروائي هيثم حسين، إلى أن …