منصة الصباح

مجرد بسكوتة!!

أحلام محمد الكميشي

 

في يناير الماضي، هز خبر وفاة راقصة الباليه البريطانية “أورلا باكسينديل” في الولايات المتحدة بعد تناولها قطعة بسكويت بدقائق معدودة جميع الأوساط في البلدين وبطبيعة الحال وصلت أصداء الخبر إلى العالم العربي، حيث أصيبت الفتاة العشرينية بصدمة حساسية شديدة الخطورة بعد التهيج الذي تسببت لها به قطعة بسكويت قيمتها 11.27 دولار فقط لاحتوائها على الفول السوداني، رغم معرفتها بخطر تناول الفول السوداني وحذرها الشديد بشأن كل ما تأكله، لكن الشركة التي تبيع هذا النوع من البسكويت وبسبب خطأ ما أغفلت أن تكتب على العلبة احتوائها على هذه المادة، و(لا يقي حذر من قدر)، وبمجرد انتشار الخبر سارعت المتاجر التي تبيع هذا البسكويت إلى سحبه من الأرفف بأمر من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، منعًا لأي إصابات محتملة قد تحدث مجددا.

قطعة بسكويت قتلت شخصا حذرا في بلد متقدمة علميا وقانونيا ورقابيا، شخصا رياضيا مهتما بصحته وأموره الغذائية والدوائية، فماذا عن العشرات الذين يموتون بهدوء بسبب السكتة القلبية والدماغية والجلطة في بلد تقع على الجانب الآخر من الكرة الأرضية أغلبهم في ريعان الشباب وفي تخصصات مهمة كالتخدير وطب الأسنان وغيره من المهن الطبية عدا عن الرياضيين والمهندسين والقائمة تطول، ومع هذا لا توجد إرادة حقيقية معلنة لبحث الأسباب واستكشاف كل ما يتعلق بهذه الظاهرة، حتى المراسلات التي خاطب بها أحد المستشفيات وزارة الصحة مطالبا بجدية الاهتمام بعد وفاة بعض أطبائه نامت في الأدراج بهدوء، ومن لم يقتله الرصاص ربما يقتله أبسط شيء ولو كان قطعة بسكويت!!

قبل نحو سنة نُشرت دراسة جديدة في مجلة Nature Medicine قام بها (مركز تشخيص أمراض القلب والأوعية الدموية والوقاية منها بمعهد كليفلاند كلينيك ليرنر للأبحاث) ربطت بديل السكر المعروف بـ(إريثريتول) بتخثر الدم والسكتة الدماغية وحالات النوبات القلبية والوفيات المفاجئة، بمعنى أن زيادة نسبة هذا المكون في الدم مرتبطة بهذه الأمور وليس بالضرورة هو السبب فيها.

ولسوء الحظ فإن (إريثريتول) مستخدم في عديد المنتجات الغذائية والمعلبات وحتى منتجات (ستيفيا) واسعة الانتشار في بلادنا ولا يكاد حديث عن إنقاص الوزن والمكملات الغذائية ومقاومة الإنسولين وبدائل سكر المائدة والرشاقة وصالات الرياضة وكمال الأجسام والوصفات الخاصة بالريجيم وأنظمة الكيتو والصيام المتقطع والسعرات الحرارية إلا وكان سكر (ستيفيا) وغيره من بدائل التحلية أبرز نجومها، ومع هذا لا نسمع عن سحب أي منتجات من السوق إلى أن تثبت الدراسات انقطاع أي رابط بين أي من مكوناتها وبين الجلطات وتخثر الدم والوفيات، وخاصة تلك التي تحتوي على (إريثريتول)، ولا نسمع عن دعم أي أبحاث بالخصوص من واقع بيئتنا وما يتوفر بها من منتجات، ولا حتى عن مدى تداخل عدد من المكونات الموجودة في الأغذية أو الأدوية عند تناولها معًا أو في أوقات متقاربة وعلاقة هذا التداخل في التسبب بمرض ما أو حالة ما من حالات الوفاة والتي غالبًا ما يُكتب في الإفادات الخاصة بها أن سببها (هبوط في الجهاز الدوري والتنفسي)، مع أن هذا الهبوط ليس دوما سببًا للوفاة بقدر ما هو ناتج عنها!!

قطعة بسكوت لطيفة قاتلة، فماذا عن أنواع البسكويت في أسواقنا؟ وماذا عن النشرات المكتوبة على أغلفة مختلف العبوات الغذائية والدوائية ومواد التنظيف ومعدات تجهيز وتناول الطعام وألعاب الأطفال والمبيدات والأسمدة والعطور بشأن المكونات الحقيقية لأي منتج؟ والكمية الحقيقية لكل مكون؟ وكم عدد الليبيين الذين لديهم نفس الحساسية الخطيرة للفول السوداني أو لغيره من المكونات الغذائية؟ وما هي طرق التعاطي مع مثل هذه الحالات التي قد تغادرنا فقط لمجرد تناول بسكوتة؟

شاهد أيضاً

لغة السنغال… ليست عربية

 بقلم: د. علي عاشور السنغال دولة أفريقية مسلمة، ومستعمرة فرنسية سابقة، يبلغ عدد سكانها أكثر …