مازلنا بانتظار افتتاح المتحف الوطني الليبي بعد تأخره نحو سبعة شهور عن الموعد المقرر، والذي روج له ممثلون من ليبيا ومصر وسوريا في إعلان بدا متواضعًا مقارنة بحجم الحدث، وطال الانتظار بينما تتباهى بقية الأمم بعرض تاريخها وحضارتها بما يليق بها وأكثر. بالأمس احتفلت مصر بافتتاح متحفها الكبير في احتفالية عالمية استحقت أن تُسمى “حدث العام”، ومُنح المصريون إجازة رسمية ليشاركوا في حدث تاريخي ووطني، بحضور وفود من شتى أنحاء العالم، فالتاريخ الوطني هو جزء لا يتجزأ من التاريخ الإنساني العام، وربما لأجل هذا أقرضت اليابان مصر 800 مليون دولار لإتمام مشروعها الثقافي العملاق.
شوارع القاهرة متحف مفتوح يروي حقب التاريخ المتعاقبة، القاهرة الفاطمية، المملوكية والعثمانية…. الخ، وفي الأفق أهرامات الجيزة، ومعابد الأقصر، والإسكندرية، وسيوة وغيرها، وهناك متاحف متخصصة منها المتحف القبطي ومتحف الفن الإسلامي ومتحف العربات الملكية وغيرها، بينما في ليبيا، مازالت ثقافة المتحف بعيدة المنال، في ظل الإهمال المؤسسي وغياب الرؤية الثقافية الوطنية طويلة المدى.
كلما مررت قرب مقر “معسكر 77” وشاهدت أعمال إزالته، بغية تحويله لحديقة عامة يفصلها طريق فقط عن غابة النصر والفضاءات المجاورة، أتساءل: لماذا لا يكون هنا مقر متحف عصري يضم مواقف سيارات، وقاعات حديثة تستخدم أفضل تقنيات الصوت والصورة، وتعرض الذاكرة الوطنية بكل الوسائل، مع قاعات للندوات والمحاضرات، ومحلات للأزياء والمقتنيات التقليدية، ورموز الثقافة والهوية الليبية، ومقاهي ومطاعم، في مركب ضخم يستقبل الداخل لطرابلس من طريق المطار، ليكون وجهة تربوية وتعليمية لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات وكل الراغبين في معرفة ما وثقته الذاكرة الوطنية.
المتاحف ليست مجرد مبانٍ تُعرض في قاعاتها القطع الأثرية، بل هي ثقافة ووعي بالهوية، تجيب عمليًا عن سؤال “من نحن؟” قبل البحث عن “أين سنصل؟ وكيف؟”، ولعل غياب المتاحف في بلادنا ساهم في اختزال تاريخنا في أذهان البعض في مرحلة الجهاد ضد الاحتلال الإيطالي فقط، وفي أفضل الأحوال، يملك قلة معلومات سطحية عن العهدين العثمانيين الأول والثاني، والعهد القرمانلي، بينما تجهل الغالبية بقية المراحل، وتظن أن الليبيين القدماء قبل آلاف السنين كانوا مجرد رعاة هاجروا بحثًا عن الماء والمرعى بعد تصحّر البلاد، بينما هم في الحقيقة كانوا في قلب الأحداث التاريخية الكبرى.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية