جمعة بوكليب
زايد…ناقص
متابعةُ الشأنِ الدولي إخبارياً، ربما إن صَحَّ التشبيه، أقربُ ما تكونُ إلى حرص طبيب على متابعة حالة مريض بمرض عضال. يأتيه زائراً يومياً، صباحاً ومساء، ليتأكد من أنه مازال قادراً على التنفس والحركة، ولم يقده الداءُ إلى اليأس من الحياة ويدفع به إلى الانتحار بهدف التخلص من آلام المرض.
الطبيبُ، بحكم تخصصه، يعرفُ جيداً أن للأدوية مزايا عديدة وقدرة على تخفيف الآلام وتسريع الشفاء. لكنّها، في ذات الوقت، لا يخلو استخدام أغلبها من أعراض جانبية، ربما تكون سبباً في علل أخرى، قد تكون مزمنة ومميتة بمرور الوقت. ومع ذلك، أورغماً عن ذلك، لا يستطيع منعها على المريض، خشية على حياته.
المقصود، أن عادة المتابعة اليومية للأخبار الدولية، بقدر ما هي مفيدة، كونها تجعل المتابع على بيّنة مما يحدث من أحداث في مختلف بقاع العالم، إلا أنّها لا تخلو من مخاطر، أي أنها مثل بعض الأدوية، لا تخلو من تعريض صاحبها إلى خطرالاصابة بأعراض جانبية، أجدرها بالذكر الكآبة والحزن، والشعور بالأسى وبالخوف أيضاً.
قراءةُ صحيفة اخبارية يومية، أو مشاهدة نشرات أخبار في قنوات تلفزيونية أو سماعها في مذياع، في العادة لا تحمل في أغلبها إلا القليل جداً من الأخبار السّارة، وتستحوذ على الباقي أخبارٌ مجلبة للخوف والحزن، وباعثة على الأسى، في عالم لا يستطيع العيش من دون تنافس وصراعات وحروب واقتتال.
الأهمُّ من ذلك هو أنّه لا يمكن للمرء منّا التدخل وتغيير مجرى الأمور، أو تعديل حمولة نشرات الأخبار، بحيث تقلل من جرعة الأخبار المحزنة والمرعبة التي تقدمها للناس. فالعالم الذي ولدنا وعشنا فيه قائم على مبدأين: التعاون والتنافس. المشكلة أن كفة التنافس المؤدي إلى الصراع والتقاتل ترجح كفة التعاون والعيش في سلام. فهل يعني ذلك أنه من الأفضل للمرء التخلص من إدمانه على عادة متابعة الأخبار، والانصراف إلى هوايات أخرى، تبعده عن الأحزان والمخاوف؟
يقول مثل شعبي قديم:” ما خير في أم الخير.” والمعنى أن التَركَ عموماً لا يعني ضمنياً الربح والفوز والهناء والسعادة. لأنّه من المحتمل جداً أن يفضي بدوره إلى خطر الاصابة بداء العزلة، واللجوء إلى العيش في صدفة مغلقة. وليس معروفاً عن العزلة أنها دواء. وأعراضها ونتائجها لا تخفى على أحد. والحل؟
الحلُّ الأنسبُ والعملي، في رأيي، ربما لايكون بهجر الحياة عمداً واختيار العزلة، إلا لمن اراد بذلك التنسك والزُهد، باقتفاء خطوات شاعر المعرّة. الانخراط في شؤون الدنيا شرط وجوب لمن يريد العيش في هذه الدنيا. والاهتمام بمتابعة ما يدور حولنا، محلياً وعربياً واقليمياً ودولياً، يقع ضمن الأولويات الحياتية. وإذا كان ليس من الممكن والمعقول أن يختار المرء العيش في منطقة ما، ينيّة أن يغلق أبواب بيته على نفسه، فكذلك الحال مع العالم. وهذا يقودنا إلى فضيلة الاعتدال. وهي، حسب سقراط، تقع بين رذيلتي الافراط والادمان في المتابعة وتركها كلية والعزلة.
وعلى سبيل المثال، فكما أن الاعتدال في الأكل يجنّب صاحبه خطر الاصابة بالبدانة، وغيرها من العلل والأمراض، فكذلك الاعتدال في متابعة الشأن الدولي. وأنا هنا لا أعني أصحاب الاختصاص من المهنيين، رجال ونساء، العاملين في وسائل الاعلام، بل المواطن العادي، الذي يحرص، إلى حد ما، وبتوازن، أن يكون فعّالاً وحيوياً في بيته وعمله ومنطقته ومدينته وبلده. وهم الأكثرية على ما أعتقد.