علي عبدالله
ماذا لو أن السيد امانويل ماكرون تروّى قليلاً قبل أن يتنطع ويعلن أن ( الاسلام يعاني أزمةً ) ، ثم ويردف متبجحاً دون تبصر ، أن في ذلك ز تهديد لقيم الجمهورية، ملمّحا من ثم ومحاولاً في ذات الوقت الآيحاءَ بأن إخضاع الإسلام للعلمانية التي تجسٌد ما أسماه قيم الجمهورية هو السبيل لإخراجه من تلك الأزمة المزعومة .
أقول: – ماذا لو تساءل الرئيس الفرنسي قبل كبوته الفاضحة ، ما التسمية التي تليق بانخراط جمهوريته العتيدة في حرب عدوانية ( لا يجهل آدمي واحد على امتداد رقعة العالم زيف وكذب كل ماسيق من مسوغات لتبريرها) على شعب لم يبد يوماً عداءاً تجاه أمريكا ولا فرنسا أو أي من الدول الداجنة ( بما فيها بعض العربية) التي شاركت في ذلك العدوان الذي اعلن من خطط له ودعا إليه أنه ( حملة صليبية) مؤكداً اعلانه ذاك بأن استدعى لحملته كل جهل حماقة وتخلف أوربان الثاني وبطرس الناسك وخطبهما المضطرمة غلاً على الاسلام والمسلمين والداعية إلى تحرير بيت المقدس منهم ، إضافة إلى جشع وأطماع الاقطاع القروسطي بكل طبقاته ملوكا وأمراء واكليروس ورعاع ، هل سيقول السيد ماكرون ، أن ذلك كان لهدف نبيل يستحق التضحية لتحقيقه وهو نشر الديموقراطية والحضارة والحداثة في العراق وغيره من دول المنطقة ، أم سيتوفر له القدر من الصدق والشجاعة الذي يدعوه إلى الإقرار بأن الدافع الاساسي لحملة بوش الصليبية ليس ذي علاقة بالديموقراطية ولا الحضارة ، بل كان فعلاً أوهاما زرعها أحبار اليهود وكهنتهم في متون التوراة المزورة والتلمود وخزعبلات القابالا بل وفي بروتوكولات حاخامات صهيون ، لعل أقربها إلى الذاكرة الطوبي الوهمية التي خبأوها في المزمور المئة والسابع والثلاثين لمن يمسك أطفال العراق ويضرب بهم ، فالطمع في تلك الطوبى الزائفة هي وحدها ما جعل بوش يحرك بوارجه وغواصاته وطائراته وأن يأمر الإمعات من حكام العالم مشاركته مغامرته الغبية ، وهل إذا تحققت للسيد ماكرون حظوة الصدق تلك سيجرؤ على الاعتراف بأنما الأزمة في عقر جمهوريته العتيدة وفي القلب من قيمها العلمانية ( فأن تنصاع خلاصة كفاح مفكرون وفلاسفة على امتداد قرون من تاريخ البشرية ومنذ عصر النهضة وانبعاث المذهب الانساني مستلهما تراث الغرب اليوناني اللاتيني وحتى عصر التنوير ومطلع الحداثة) لإملاءات ثقافة متخلفة ، وتنساق مع تياراتها العنصرية وتعصبها اللاعقلاني) لا يعني غير أن تلك الخلاصة ( العلمانية ) ترسف في أزمة كيانية عميقة طالت اسسها وجذورها .
لكن يبدو من اللائق أن نلتمس عذراً للسيد ماكرون فهو ابن ثقافة تظن أن العلمانية إنما جاءت لتقليم أظفار الدين واختزاله في حدود علاقة شخصية للإنسان بمقدسه ، وسبب ذلك الظن أن تلك الثقافة لم تعرف الدين إلّا في صيغة محرفة ومؤدلجة فمنذ استحوذ الفريسي شاوول الطرسوسي على دعوة السيد المسيح عليه السلام وحرفها لتوافق مقتضيات ايديولوجية عزرا وأحبار اليهود، واكتمال ذلك التحريف بمقررات مجمع نيقية الأول الذي كان معركة وثنية صريحية ضد اجتهادات آريوس القائلة بالتوحيد ، غدت المسيحية أيديولوجية يهودية ، يمكن للمرء أن يسمع أصداءها تتردد في الثقافة والحياة الغربيتين ، لكن ذلك ظن خاطيء فالعلمانية تجسد أقصى ما أبدعه العقل من وسائل تتيح للانسان امكانية التحرر مما يكبله ويتهدده في اسمى معاني وجوده وقيم آدميته وحياته ، وماذلك سوى النزوعات الاستحواذية التسلطية في نفسه وفي الآخر ، والتي لا قيام للأيديولوجيا ( أية أيديولوجيا) إلا لتبريرها وشرعنتها ، وبذلك لا تضاد العلمانية الدين الذي يجسده الاسلام تحديداً بل هي تتفق معه على هدف تحرر الانسان مما يستلبه ويغرّبه عن آدميته .
كل ذلك وكما نرى بوضوح لا يترك للسيد ماكرون مبررإ لأن يُسْقَط مآزم ثقافته المأسورة في برج بابل، على بل أن بحثه عن طريقة لتحريرها من أسرها أجدى له ولها، وأجدر بأن ينشغل به .