ماقبل الكلام
منصور بوشناف
كنا نقرأ طه حسين وعباس العقاد وعلي عبدالرازق ككتاب تنوير يدشنون لنهضة مصرية عربية وكانوا ورغم الخيبات التي تلت كتبهم تنويريين حقيقين .
كان محمود مختار قد دشن”نهضة مصر”
وكان نجيب محفوظ قد احيا “رادوبيس ” و “كفاح طيبة” وصاحب كل ذلك موسيقى “سيد درويش ” , كان العرض المصري في مهرجان “البوست كولونيال” مبهرا , كانت الحداثة بالنسبة للعرب مصرية تماما , كانت الحداثة هبة مصر للعرب .
تلك الحداثة تأسست على الاحياء او “النهضة” احياء التراث والانفتاح على الاخر “الاوروبي” من اجل انجاز الكيان الحديث ,كانوا يشكلون “الصورة المتخيلة” للامة الحديثة التي ينشدون , وكانت الاداب والفنون بكل اجناسها مواد وازاميل والوان نحت وتصوير تلك الصورة “الصورة المتخلية” لامة تشق طريها في التحديث والنهضة .
كان النص المكتوب “اساس ومنطلق تلك الحداثة” قد قطع شوطا كبيرا في حواره مع ميراثه العربي القديم متكيئا على ميراث اوروبا التنويري , ووصل الى تشكيل صورة اخرى للتراث العربي ., كانت شهرزاد ايضا تأخذ صورة اخرى بريشة توفيق الحكيم وكذا “اوديب” ,
ذلك النص الفصيح ظل يؤمي لمشروعه التنويري عبر التراث العربي القديم معيدا قراءته وتشكيله من جديد , من اجل سردية جديدة كبرى , تعلي قيم التنوير والحرية قيم العقل وقد تحرر من قيود النقل ,وترسم صورة جديدة للامة المتخيلة الجديدة والحديثة , كانت تلك الطليعة من الرواد تحقن مومياء مصر والعرب والمسلمين بدماء الحداثة والتنوير .
عبر تلك الرحلة الطويلة من معالجة وحقن تلك المومياءت التراثية الرسمية ونصوصها تشكل مشروع الاحياء واشعل مشاعل التنوير وبدأت الامة ترى نفسها عائدة بماضيها الى الحياة عفية مشرقة تبني بمعاول وفؤوس الحداثة الكيان العربي الحديث , ان كل مواد التراث المحنطة تصير خاما لبناء نهضة مصر والعرب .
تلك المشاعل والمعاول والفؤوس امتدت ايضا لتطال اليومي الشعبي , كان الفلكلور , الرقص والزجل والملاحم الشعبية قد تحولت لدى طليعة جديدة اخرى الى مشروع الثورة وليس النهضة بمعناها العقلي التنويري “الرسمي” , الثورة التي ظهر فيها “الحسين ثائرا ” وليس مزارا , كان الكرنفال الشعبي يتحول من فعل تلاش للذات والامة في المطلق الغائب الى حضور الذات الفاعلة والامة الثائرة , شرع بيرم التونسي وورثته الجدد يفعلون فعلهم في ذلك الموروث الهائل من الزجل الكرنفالات الشعبية ويحولونه مشروعا للهدم والبناء والثورة , كان احمد فؤاد وشيخ امام وصلاح جاهين والابنودي يجذرون في الوجدان مشروع النهضة ويرسمون صورة اخرى للامة . كانت مصر تعيش “ليلتها الكبيرة” وكلنا كده عاوزين صورة”
عقود من تلك “الليلة المصرية الكبيرة” .نبني ونغني ونرقص, نفكر ونستغيث “بحابي” .
يقول “جوته على لسان “فاوست : “امن الضروري ان احمل حنيني واسعى كي اعيد ذلك المخلوق الى الحياة”
و “كان ماسوف يكون” ويتبدد صراخ نجيب سرور “منين اجيب ناس”في الحوارى وع القهاوي وفي الساحات .فجيفارا مات .
“اشيلا ممبي” يقول مامعناه ان امم العالم الثالت وبعد نيلها الاستقلال تحاول ان تصنع سردية خاصة وان ترسم صورة للامة المستقبل وذلك باحياء ثراتها القديم لمواجهة سردية المستعمر ولكنها قد تبعث الى الحياة دون ان تعي كائنا زومبي , ميت عاد الى الحياة ولكنه يقتات ويعيش على دماء الاحياء من امته التي اعادته الى الحياة , ويقول محمود درويش “كان ماسوف يكون”
عام 1978م كنت بسجن الكويفية ببنغازي قد استمعت مرتين لمسرحية “موت صرصار” لتوفيق الحكيم يؤديها الانجليز بايقاع هاديء يخفي توترا .كان مسرحا صوتيا .