منصة الصباح

ما فيش سرير 

أحلام محمد الكميشي

منشور بصفحة أحد الأصدقاء كتبه أب مكلوم بمداد من دموعه بعنوان (ابني إبراهيم مات مقتولاً).. علّه يحرك ضمير المسؤولين عن الصحة والعلاج في بلادنا، أو يتحول منشوره لرأي عام تتناقله أهم صفحات التواصل الاجتماعي للضغط على صناع القرار لفتح تحقيق في وفاة طفل ليبي نتيجة رفض مؤسسات صحية تتبع القطاع العام لعلاجه رغم أنها ملزمة بحكم القانون بتقديم الرعاية الصحية والعلاجية لكل طفل ليبي ومجانَا، وعلى سبيل المثال تمت في هذه القصة مخالفة المواد (1) و(2) و(3) و(139) من القانون رقم 106 لسنة 1973م بشأن إصدار القانون الصحي، إضافة لغيرها من المواد والقوانين وحتى الاتفاقيات العربية والدولية التي انضمت إليها ليبيا. .  بدأت المعاناة كما ذكر الأب بتطعيم الطفل في مستوصف (غدوة) ثم إدخاله لمستشفى سبها المركزي لعلاج التهاب الصدر ثم تحويله لمستشفى عام يبعد أكثر من سبعمائة متر شمالا بالسيارة، واضطرار الأب لسداد رسوم (300 د.ل) لقسم الحركة بالمستشفى لتوفير سيارة إسعاف وانتظروا حتى منتصف نهار اليوم التالي كي يحضر المسعف لمرافقة الحالة والذي بدوره طلب مبلغ (500 د.ل) بالرغم من كون العلاج في القطاع العام مجاني! فرفض الأب واستعان بشقيقته الممرضة وشقيقه لمرافقة ابنه في رحلة استغرقت نحو 9 ساعات في طريق متهالكة أكلت من الأرواح أكثر مما تأكل حرب ضروس.   وكانت الصدمة الأولى رفض الطفل بحجة عدم وجود مكان شاغر في مستشفى الدولة التابع لقطاع الصحة الذي بلغ حجم إنفاقه من الميزانية خلال الربع الأول من العام الحالي 2024م أكثر من نصف مليار دينار ليبي وفق تقرير مصرف ليبيا المركزي! وذلك برغم وجود تحويل طبي ورغم جهود إحدى الطبيبات لإنقاذه، ليذهب الأب بطفله لمستشفى عام آخر ويقابلهم الطبيب بحلف يمين مخالف لقسم (أبو قراط) الذي يقسمه كل الأطباء في مستهل استلامهم لمهام المهنة التي لا يتوقفون عن تذكيرنا بأنها مهنة إنسانية، ومع علم الطبيب بالحالة وهي في المستشفى العام السابق إلا أنه انتظر حتى يحضروا الطفل أمامه كي يقسم بعدم وجود سرير إلا في الصباح! والأغرب هو عدم وجود ممرضة أيضًا لمتابعة الحالة في مستشفى عام وتعليمي! وأرسلهم الطبيب لمستشفى عام آخر، وذكر الأب أنهم رفضوا الحالة ولم يذكر السبب، ليعود مجددا للركض في شوارع طرابلس حتى وصل لمستشفى عام آخر وتم رفض الحالة بسبب عدم وجود سرير!    جرت العادة أن تنبت عدد من العيادات والمصحات والمختبرات والصيدليات بجوار كل مستشفى عام وفي جميع الاتجاهات، فذهب الأب لإحدى المصحات قرب المستشفى وهناك قالوا له لا يوجد طبيب أطفال وأرسلوه لإحدى المصحات الأخرى، وعند الساعة 3 ليلا أي بعد طواف على مشافي طرابلس لمدة 6 ساعات، وصل الأب للمصحة التي طلبت مبلغ 5 آلاف دينار قبل دخول الطفل، ليرفض الأب ويذهب لمصحة أخرى تحججت بقلة الإمكانيات، فيعود أدراجه للأولى بعد تدبير المبلغ فيدخل “إبراهيم” بعد 7 لفات زادته مرضًا وتعبًا ويحصل على سرير ثمنه 5 آلاف دينار كي يلفظ عليه أنفاسه البريئة بعد ربع ساعة!    لكن القصة مرّت دون أن تتحول لقضية رأي عام تتشاركها منظمات المجتمع المدني المهتمة بالطفل وحقوق الإنسان ومؤسسات الدولة المعنية بالمجتمع والأسرة والطفولة، ودفن الأب ابنه في صمت أبلغ من كل كلام، فيما ستستمر وزارة الصحة في استقطاع ملايين الدنانير من المال العام المملوك لكل الليبيين.

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …