بقلم /عبدالبارى رشيد
ـ حكومة الوفاق الوطني ومنذ تسلمها للسلطة يوم 16 / 3 / 2016 بناء على الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات في ديسمبر من العام 2015 م كانت واضحة ومنذ البداية في كافة تحركاتها الدبلوماسية على الصعيد الخارجي .. وتحركاتها الداخلية على المستوى الأمني والعسكري والاقتصادي وأيضاً السياسي. وكافة خطواتها كانت ولاتزال باتجاه تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية .. واستعادة البلاد لعافيتها ودورها الإقليمي والدولي .. وقد لمس المراقبون للمشهد الليبي سواء من خارج البلاد أو حتى من داخلها الجهود التي بذلتها الوفاق والتي تركزت كما ذكرنا على العمل في خطوط متعددة ومسارات تضمن الأمن والاستقرار بالدرجة الأولى باعتبارهما المدخل لعملية التنمية الشاملة التي تؤسس بدورها لاقتصاد قوي متعدد لمصادر الدخل ، فضلاً عن احتكار السلاح وجعله بيد الدولة من خلال المؤسسة العسكرية والأمنية وغير ذلك من الترتيبات التي توفر الأرضية الخصبة للثقة بين المواطن والدولة .. ولقد ركزت حكومة الوفاق على البعد الخارجي في دبلوماسيتها .. من خلال التواصل مع كافة دول العالم لشرح قضية ليبيا .. والظروف التي تمر بها ومهمة الوفاق في توجيه بوصلة الليبين كافة نحو الوحدة الوطنية .. والحفاظ على النسيج الاجتماعي .
ـ الذي يفوت الفرصة على أية قوة تحاول ؤجهاض المسارات السياسية والاقتصادية نحو بناء الدولة الحديثة بمؤسساتها التشريعية والتنفيذية التي تضمن سيادة القانون والعدالة الاجتماعية وغيرها من الإجراءات التي تكفل وضع ليبيا على المسار الصحيح، ولقد لاحظ المراقبون كثافة التحركات الدبلوماسية والجولات التي قام بها رئيس المجلس الرئاسي في الجوار الإقليمي والدولي من أجل شرح كافة الأبعاد المرتبطة بإعادة بناء الدولة .. كذلك استجابة الوفاق لما عرف حينه بالوساطات من طرف بعض الدول من أجل ضبط بوصلة الليبيين ومحاصرة أجواء التقاسيم التي ظهرت بوادرها في خروج بعض الأطراف عن جوهر اتفاق الصخيرات وتشكيلهم حكومة وأجساما موازية !! .. فكان مثلاً مؤتمر باريس في شهر مايو من العام 2018م محاولة لمحاصرة الانقسام .. والإسراع في تنفيذ بقية استحقاقات الصخيرات في جانبه الانتخابات البرلمانية والرئاسية وإجازة مشروع الدستور وغيرها من الترتيبات.
ـ وفي حين التزمت حكومة الوفاق باتفاق باريس تنصل الطرف الأخر من مخرجاته ونفس الشيء فعله ما عرف بالطرف المعرقل في لقاء باليرمو في نوفمبر من نفس ذلك العام، وتعطلت كافة المساعي التي تجاوبت معها حكومة الوفاق ، وحتى في اللقاء الأخير الذي جرى في فبراير من العام 2019 م في أبوظبي .. وتم الاتفاق فيه على عدة أشياء تخدم المصالحة الوطنية من خلال نبذ خطاب الكراهية والفتنة .. وإحلال خطاب المصالحة محله .. وتم كذلك التفاهم في لقاء ابوظبي على عقد المؤتمر الوطني الجامع والذي اقترحته بعثة الأمم المتحدة عبر ممثلها «سلامة» للخروج بليبيا من النفق المظلم ..وحالة الانقسام والتشرذم التي افتعلها الطرف المعرقل للاتفاق السياسي ولقد أشار إلى مثل تلك المسائل رئيس المجلس الرئاسي لاحقاً .. بعد العدوان على العاصمة وضواحيها حين ذكر خلال كلمة وجهها للشعب يوم 16 / 6 / الماضي بأن حفتر اعتدى على العاصمة دون مبرر سوى نسف العملية السياسية .. واجهاض حلم الدولة المدنية وإعادة الحكم العسكري وأضاف إلى ذلك قوله .. لقد حاولنا استيعاب حفتر في العملية السياسية وعقدنا معه ستة لقاءات وتم التفاهم في مؤتمر أبوظبي .. فبراير 2019 م على عقد المؤتمر الوطني الجامع، ولكن مشاركته في تلك اللقاءات كانت لكسب الوقت .. وطوال السنوات الثلاثة الزخيرة تلقى حفتر أسلحة ودعم مالي حتى توهم أنه بمقدوره اجتياح طرابلس خلال 48 ساعة .. وفي تلك الكلمة التي وجهها رئيس المجلس الرئاسي لليبيين كافة يوم 16/ 6 الماضي طرح مبادرة سياسية لحكومة الوفاق.. تضمنت إنشاء دولة مدنية ديمقراطية من خلال آليات وترتيبات وإجراءات تخدم المسار السياسي بالدرجة الأولى عبر عقد مؤتمر وطني تشارك فيه الفعاليات الشعبية المؤمنة بالحل السلمي لأزمات ليبيا والرافضة لعسكرة الدولة ومقاومة العدوان على العاصمة وضواحيها، ولقد تأكدت مثل تلك الثوابت خلال اللقاءات التشاورية التي عقدتها الوفاق بعد طرح المبادرة السياسية وضمت في حينه قطاعات المثقفين والمفكرين والشباب والمرأة ورجال الدين والعسكريين وأعضاء من لجنة كتابة الدستور الدائم وغيرهم من الشرائح الشعبية الذين أجمعوا على الاستمرار في الدفاع عن ((مدنية)) الدولة وهزيمة العدوان ومثل هذا النهج في التعامل مع أزمات ليبيا اعتمدته حكومة الوفاق كما اشرنا في تعاملها الدبلوماسى مع الخارج سواء عبر الأمم المتحدة أو عبر الاتحادات الاقليمية والدول الصديقة والشقيقة الأخرى، بحيث ظلت ثوابتها قائمة على ردع العدوان وإفشال مشروعات تقسيم البلاد والحرب الأهلية التي حاول الطرف المعتدى من خلالها استنزاف قدرات وطاقات البلاد في حروب عبثية استهجنها العالم وأدانها وإجتمعت كلمة الأمم المتحدة مؤخراً خلال قمة برلين 19يناير الجاري على حتمية إنهاء العدوان والبدء في ترتيبات هدنة دائمة تمهد لمسارات سياسية بين الاطراف الليبية بحسب ما جاء ضمن البيان الختامي للقمة حيث تنص إحدى فقراته على أنه بناء على الاتفاق الموقع في الصخيرات أطلقت البعثة الأممية للدعم في ليبيا عملية لتأسيس منتدى للحوار السياسي الليبي يتألف من 40ممثلاً سيتم اختيارهم بناءاً على مشاورات مع أطراف ليبية أساسية وبأن المنتدى سينعقد آواخر يناير الجاري خارج ليبيا في ((جينيف)) لمناقشة قضايا حيوية جوهرية تخدم توجهات الليبيين كافة في الاستقرار والأمن وتوحيد المسار السياسي وبقية مفردات المعادلة.