منصة الصباح

ليكن كلّ واحد فينا ” رمضان “

محمد الهادي الجزيري

 

 

كم من” رمضان ” ولّى وفات ..، ولم ننطبع به طوال السنة، لم يفكّر منّا أحد في التماثل معه وفي أن يتجسد فيه الشهر المبارك ..، واليوم ونحن على عتبات حرمه وعلى أبواب طقوسه وعاداته …، أذكّر نفسي وأنبّهكم إلى ضرورة الأخذ منه فكم أعطى ولم نأخذ شيئا

فمن حقّي على نفسي أن أفرض عليها هدنة قصيرة ومن واجبها أن تتعرّى قليلا للآخرين ليدركوا أنّ الحبّ طبيعتها ، والطبع يغلب التطبّع، الصراع سيتواصل حتما فالوجود مبنيّ عليه، ولا شيء يدور خارج حلبة الصراع وإن اتخذ أشكالا مستوحاة من الحمام ولبس الأبيض مثل جثّة استسلم صاحبها لمخالب الغياب….

أعتقد أن لا خلاص للإنسانية ممّا تعانيه من حروب وغزوات متبادلة وتكالب على الأخضر واليابس إلاّ باعتناق الحبّ والإيثار، نعم الإيثار… ، بي وعي حادّ أنّ الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ، لكنّه يتميّز على بقيّة الوحوش بقدرته على تجاوز ذئبيته إذا أراد ذلك ،ما أصدق وأفصح بيت الكبير المتنبي طبعا:

” الظلم من شيم النفوس فإن تجد   ذا عفّة فلعلّة لا يظلم ”

لست بصدد محاولة النيل من الإنسان وتشويه سمعته، فهي مخجلة أصلا، وقد اكتسبها عبر سفره الطويل من الكهف إلى الكوخ إلى البيت إلى القصر…، مجازر لا تحصى وانتهاكات مثل حصى الوديان واغتصاب دؤوب للعرض والأرض وكلّ ما يقع في مجال عينيه ، أو ما يصل إلى أذنيه من أخبار عن ولائم الكوكب المشتعل، أريد فقط أن أتصالح مع جميع إخواني الذئاب المنضوين تحت لواء عائلتي والحيّ الشعبيّ الذي أكمن في أحد بيوته، والمنتمين إلى وطني وأمّتي والإنسانية جمعاء …، يا إلهي كم سأصارع من ذئب في هذا العبور الاضطراري المسمّى : حياة…..

أريد السلام يا خلق ، تعبت ولا شكّ أنّ العديد منكم على وشك ” الديخوخة ” ، من فرط الصراع المحموم على الفوز بأكبر قسط ممكن من اللذة والمتعة والراحة والسلطة خاصة ، أنا اليوم أعلن استسلامي لكم واكتفائي بالقليل القليل، فبعد ما يقارب الستين سنة من التحايل على الحياة والركض في دروبها وعبر مزالقها ، أشعر باللا جدوى من كلّ هذا اللهاث، والمشاركة في لعبة الأضداد المرتكزة أساسا على التزاحم والتنافس والتآمر الذي نطلق عليه نحن معشر الشعراء تسمية لطيفة ، فما هو غير نميمة خفيفة نتذوّقها في خلواتنا البريئة، على كلّ حال… : ” بعْ بعْ ، صحّة ليكم وبالشفاءْ “، لن تأخذوا معكم إلى ضيق القبر غير الوهم مثل الملايين ممّن سبقوكم ، يا جماعة ، يا إخوتي الذئاب ، والله ثمّ والله إنّ الحياة حلوة كما صدح بذلك فريد الأطرش، وهذا الكوكب التائه بين المجرّات يتّسع لنا جميعا، بشرط أن نحدّد سرعة الغضب وأن نوقف محرّك الشهوة ونجلس إلى الحبّ من حين إلى آخر ، تعالوا نجرّب الحبّ والإيثار، وثقوا أنّ فيهما لذّة عظيمة، أليس ديدنا الفوز باللذة منذ كنّا، فلنجرّب لذّة أخرى ، لعلّها جديدة بالنسبة للأغلبية الساحقة ، كما يقال في فرز الأصوات الانتخابية، ثمّ ألم نملّ بعد لذّة البطش والقتل والاغتصاب وغيرها من اللذّات التي تجاوزت جميعها تاريخ صلوحيّة استهلاكها، تسمّمنا يا خلق ولكن ما زال فينا نبض من أمل، نبض يزداد قوّة ووضوحا كلّما حلّ رمضان ، فيصبح لفقيرنا نصيب من غنائمنا، ويمسي اليتيم أحد أفراد الأسرة أو العائلة، كما تنجو الأرملة من صدقاتنا المسمومة إذ أنّ أغلبنا يقدّم الصدقة في هذا الشهر الكريم لوجه الله وفي سبيل الحبّ …، لماذا إذن لا يدوم كرمنا وإيثارنا وعطفنا على الآخرين على مدار السنة ، لنحقّق إنسانية هذا الكائن الذئبيّ الرهيب… والجميل في الآن نفسه … ، لننتصر أيها الأدباء والمبدعون لأخينا الإنسان ، ولتصبح جميع أيّامنا رمضان …وليكن كلّ واحد منّا على مدار السنة ” رمضان “…

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …