منصة الصباح
د. مجدي الشارف الشبعاني

هل ليبيا على أعتاب تعويم للدينار؟ قراءة مقارنة مع التجربة المصرية

منذ مطلع العام 2025، تشهد ليبيا سلسلة من التحولات في سياسات النقد وإدارة سعر الصرف، وهو ما أثار تساؤلات حول ما إذا كان الدينار الليبي مقبلًا على تعويم كامل على غرار ما حدث للجنيه المصري في نوفمبر 2016، أم أن الأمر لا يتجاوز خطوات جزئية تمنح المصرف المركزي مرونة أكبر في إدارة السوق النقدية مع الإبقاء على سيطرته المباشرة.
أولاً: ملامح التحول في السياسة النقدية الليبية
1.تخفيض القيمة الرسمية
أعلن مصرف ليبيا المركزي في أبريل 2025 عن تخفيض قيمة الدينار بأكثر من 13% مقابل وحدة حقوق السحب الخاصة (SDR)، وهو ما عُدّ إعادة تسعير رسمية للعملة.
2.إعادة هيكلة الفئات النقدية
جرى سحب فئتي الخمسين والعشرين دينارًا من التداول واستبدالهما بفئات جديدة، في خطوة تهدف إلى تعزيز الانضباط النقدي وإعادة الثقة بالعملة.
3.ضخ النقد الأجنبي للسوق
ضخّ المصرف كميات معتبرة من الدولار لتغطية الاعتمادات والأغراض الشخصية، في محاولة للحد من نشاط السوق الموازي وتقليص الفجوة مع السعر الرسمي.
4.تشديد الرقابة على السوق الموازي
أُطلقت حملات لإغلاق المحال غير المرخصة التي تزاول نشاط بيع العملة، في مشهد يعيد إلى الأذهان الإجراءات المصرية قبيل قرار التعويم.
هذه الخطوات لا تعني تعويمًا كاملًا، لكنها تكشف عن توجه نحو مرونة أكبر في التسعير مع بقاء دور المركزي محوريًا في ضبط السوق.
ثانياً: التجربة المصرية – دروس وعِبر
في عام 2016، واجهت مصر أزمة شبيهة من حيث تفشي السوق الموازية وارتفاع الدولار:
•قبل التعويم: اتخذ البنك المركزي المصري إجراءات صارمة لإغلاق شركات الصرافة غير المرخصة، محملًا إياها مسؤولية المضاربة على الدولار.
•قرار التعويم: في 3 نوفمبر 2016، تم تحرير كامل لسعر الجنيه وتركه لقوى العرض والطلب.
•النتائج:
•تضاعف سعر الدولار الرسمي خلال أيام.
•قفز معدل التضخم إلى أكثر من 30%.
•لكن مع مرور الوقت، تمكنت البنوك من استقطاب تحويلات المصريين بالخارج وامتصاص نشاط السوق السوداء تدريجيًا.
ثالثاً: أوجه الشبه والاختلاف
أوجه الشبه:
•وجود سوق موازية قوية ومؤثرة.
•تدخل مباشر للبنك المركزي عبر إجراءات رقابية وأمنية.
•الاعتماد على ضخ العملة الأجنبية لتهدئة السوق.
أوجه الاختلاف:
•مصر اعتمدت على دعم خارجي وقروض (من صندوق النقد ودول الخليج) لتعزيز احتياطياتها النقدية، ما وفّر غطاءً للتعويم.
•ليبيا تعتمد كليًا تقريبًا على عائدات النفط، ما يجعلها عرضة لمخاطر تقلب الأسعار أو توقف الإنتاج.
•هشاشة الوضع السياسي الليبي تُضعف الثقة بالعملة وتُفاقم احتمالات التضخم إذا تم التعويم الكامل.
رابعاً: السيناريوهات المستقبلية
1.الاستمرار في التعويم الجزئي
استمرار المركزي في التحكم بالسعر مع تعديلات دورية وضخ للدولار، بما يضمن الحد من الفجوة مع السوق الموازي.
2.التعويم الكامل
تحرير الدينار كليًا سيؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، لكنه قد يُسهم لاحقًا في دمج السوق الموازية داخل الإطار الرسمي.
3.العودة إلى القيود
إذا فشل التدخل الحالي في تقليص الفجوة، قد يعمد المركزي إلى فرض قيود جديدة، وهو ما يزيد من فقدان الثقة بالسياسة النقدية.
وفي الختام  ، فان الإجراءات الأخيرة لمصرف ليبيا المركزي تُظهر بوضوح أننا أمام خطوات تمهيدية نحو نظام أكثر مرونة، وربما تعويم جزئي للدينار. غير أن الانتقال إلى تعويم كامل ما زال يحتاج إلى بيئة مختلفة كليًا: استقرار سياسي، تنويع اقتصادي، واحتياطيات نقدية قوية.
وتبقى التجربة المصرية حاضرة كدرس تحذيري: فالتعويم دون تحصين اجتماعي واقتصادي قد يحوّل الإصلاح النقدي إلى أزمة معيشية. وبين هذه المعطيات، يظل السؤال:
هل يسير الدينار الليبي نحو إصلاح نقدي يعزز الثقة بالاقتصاد، أم أن ما نشهده مجرد مسكّنات مرحلية سرعان ما تنكشف محدوديتها !
الدكتور مجدي الشبعاني

شاهد أيضاً

نهاية انتقام": دراما ليبية تمزج الأكشن والغموض برمضان 2026

“نهاية انتقام”: دراما ليبية تمزج الأكشن والغموض برمضان 2026

تستعد الدراما الليبية لإطلاق مسلسل “نهاية انتقام”، تأليف علي الزنتاني وإخراج فوزي العبيدي، في رمضان …