منصة الصباح

لماذا يكرهوننا

لماذا يكرهوننا

منصور بوشناف

بعد اكثر من نصف قرن عاد ” ادوارد سعيد ” الى بيتهم الذي طردوا منه في القدس بفلسطين المحتلة, وقف امام البيت ” مسقط الراس ” مصحوبا بعائلته الصغيرة ومرافقيه مترددا وتائها, ناظرا حوله وعندما حاولت زوجته ان تطرق الباب, باب طفولته المقدسية منعها, قالت له نستأذن سكانه لزيارة البيت, فكرر رفضه للاستئذان والدخول كالغرباء للبيت المحتل ليواصل تجواله حول البيت وعبر المكان المصادر بالاحتلال والاستيطان, كان يجلس مع أهل القدس مطولا يستمع لحكاياتهم مع الاحتلال, يسأل كطفل يبحث عن امه وابيه وعن بيتهم عبر ذاكرة أولئك الباقين تحت الاحتلال وبدأ بعد سنوات من الكتابة والقاء المحاضرات باللغة الإنجليزية يحاضر في فلسطين بالعربية, لقد كان واضحا ومقتنعا بالعربية كما ظل واضحا ومختلفا بالإنجليزية .

في احدى جلساته مع نساء بسيطات في القدس يطلبن منه ان يقنع أمريكا بالتوقف عن دعم إسرائيل, وعن كره الشعب الفلسطيني والوقوف ضد حقوقه, ويوجهن السؤال الأهم لماذا تكرهنا أمريكا والغرب عامة؟

سؤال المقدسيات البسيطات عن أسباب كره الغرب وامريكا للشعب الفلسطيني ومساندة محتلي ارضه وبيته وتاريخه بكل وسائل التصفية والابادة كان سؤال ادوارد سعيد الأهم في مسيرته الفكرية والثقافية, جذور هذا الموقف بل هذه العقيدة الراسخة لدى الغرب من الشرق عامة وفلسطين والشرق الأوسط خاصة .

أطروحة ادوارد سعيد المفارقة لما سبقها كانت ” الاستشراق ” الذي رسم وكرس صورة نمطية للشرق والعرب والمسلمين خاصة في الذاكرة الأوروبية عبر قرون من الزمن وكل ذلك تم عبر الفنون والآداب, عبر اللوحة والقصيدة والمسرحية لتتوارث المخيلة الأوروبية تلك الصورة وترسخها بالراديو والسينما ثم التلفزيون وحتى برسوم الأطفال .

جذور تلك الصورة المرسومة للشرق كانت مشروع الاستعمار والتوسع على حساب شعوب العالم والشرق الغني بالموارد خاصة , ليتحول ذلك الميراث وتلك الصورة الى جذور جديدة لهذا الكره الذي تسأل عن أسبابه الفلسطينيات المقدسيات ادوارد سعيد .

الشعوب الأوروبية وككل شعوب الأرض في مراحل قوتها وتوسعها الامبريالي كانت وعلى مر تاريخها تنتج ادابا وفنونا ترسم بواسطتها صورة للأرض وأهلها الغنية بالموارد والثروات لغزوها وافتكاكها منهم .

الاوروبيون ومنذ ” هوميروس ” والى الان ظلوا يرسمون صورة نمطية للاخرين وغالبا ماتكون تلك الصورة سلبية ومبررة للغزو والاحتلال والسيطرة على الموارد .

ادوارد سعيد يفكك تلك الصورة التي صارت راسخة في العقل والوجدان الاوروبي عن الشرق ويوضح انها لم تكن حقيقة وكانت في غالبها زائفة, رسمت الاخر كما ارادته ان يظهر ويكون .

كل جهود ادوارد سعيد الرائدة في دراسة وتفكيك الاستشراق كانت محاولة صادقة لسؤال النساء المقدسيات عن اسباب عداء امريكا واوروبا لنا, هو بالتأكيد كان سؤال ادوارد سعيد الخاص حتى قبل ان يسمعه من المقدسيات وكان مشروعه الفكري الأهم .

الاوروبيون وعبر تاريخ طويل من الانتاج الفكري و الفني رسخوا صورة لليهودي المرابي والمخادع لتشمل كل اليهود رغم ان غالبية اليهود في تلك المراحل من التاريخ كانوا فقراء مهمشين ومضطهدين في اوروبا, كانوا المنافس والعدو المالي في اسواق اوروبا للتاجر الاوروبي الخارج من رحم الاقطاع والقليل الخبرة بالتجارة والمال, كانت تلك الحرب قد انطلقت ضد اليهود في المرحلة “المركنتلية ” كحرب تحرير للسوق من سيطرة تجار اليهود, ورسخت تلك الحرب صورة سلبية ومنفرة لذلك العدو اليهودي عبر الفنون ولعل ابرزها كانت مسرحية شكسبير تاجر البندقية ومسرحية كرستوفر مارلو ” يهودي مالطا ”

تلك الصورة التي رسختها الاداب والفنون الاوروبية لليهودي تتوجت بلهولوكوست

الصورة التي رسمها الاستشراق للشرق وللعرب والمسلمين وعلى هذا النحو قد تتوج وعلى يد اليهودي المطارد من اوروبا عبر العصور وبدفع ودعم من منتجي تلك الصورة بهولوكوست للفلسطيني وللعربي والمسلم .

الاسرائيلي اليوم يستخدم الصورة التي انتجها الاستشراق للفلسطيني والعربي والمسلم لحرق هذا الكائن العدو بالضبط كما ظل المسلمون والعرب يستخدمون صورة اليهودي العدو التي رسمتها المركنتلية الاوروبية .

الاستشراق الذي فتح به ادوارد سعيد ابوابا جديدة مختلفة ومناقضة لكل من سبقه ربما بل ظل افضل محاولة للإجابة عن سؤال تلكم المقدسيات ” لماذا تكرهنا أوروبا وامريكا ” . .

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …