منصة الصباح

لماذا نقرأ الروايات..؟ الفن الروائي في”3″ كُتب

تقرير/ خلود الفلاح

تفتحُ لنا القراءة أبواب المعرفة، تطرح الأسئلة، وتدفعنا تماما للبحث عن إجابات، وتساعدنا على رؤية العالم بعيون مختلفة..

في هذا التقرير، تناولنا عدة كتب حول فن الرواية، وعلاقة الرواية بالإنسان؟ وكيف تُشكّلنا الروايات التي نحب؟.

كهف القارئ..

يبدأ الكاتب والناقد العراقي “كه يلان محمد” كتابه ” كهف القارئ” بعدة تساؤلات منها، هل يكفي التفصيل في الكتابة لإنجاز العمل الروائي وترويض المتلقي بالعوالم الموازية؟ وماذا عن دور التقنيات السردية في تأسيس الخطاب الروائي وبناء هيكلية المنجز السردي؟ ما هي المصادر التي يكتسب منها المبدع الدراية والمراس في تأليف الأعمال الروائية؟

هذا الكتاب الصادر عن منشورات (صفحة 7 ـ الطبعة الأولى ـ 2020) يبدأ بمقدمة يشير فيها الكاتب إلى أنه مع انطلاق المبادرات النقدية ونحت المصطلحات السردية بالاستناد إلى محتويات العمل الروائي إذ تحولت كتابة الرواية إلى صنعة. ورغم وفرة الإصدارات الروائية في السنوات الأخيرة، وتصاعد الاهتمام بهذا الجنس الأدبي، ورصد جوائز عديدة مع كل ذلك لا نشاهد إلا نادرا تحول الروايات إلى الدراما. بعكس ما كان سائداً في الحقب السابقة إذ لا تزال روايات نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي حاضرة في الذاكرة الدرامية والسينمائية..

وفي الكتاب إشارة إلى أنه لا ينكر معظم الروائيين الأخذ من معين تجاربهم الشخصية لبناء الأعمال الروائية، والتعبير عن الرؤى الفكرية والرغبات على لسان الشخصيات الروائية. وقد تكون الشخصيات المبثوثة في أعطاف الأعمال الروائية وجوه متعددة لشخصية المؤلف في أطوار مختلفة. هنا نذكر روايات “الخبز الحافي”، و”الشطار”، و”الوجوه” للروائي محمد شكري، والامريكي تشارلز بوكوفسكي في روايتيه “مكتب البريد” و”النساء”. وأيضا الروائي بول أوستر في روايته “حكاية الشتاء”. هذه الأعمال تميزت بطابع سيري..

لا تقتصر رغبة تسريد سيرة الحياة في إطار الرواية على النهل من خزانة الكاتب وتجربته الشخصية، وإنما تمتد إلى استلهام مادة أعماله من سيرة الآخر، سواء كان شخصية مشهورة أو نموذجية..

لماذا يجب أن تكون روائياً؟

يبدأ الروائي السوري “هيثم حسين” كتابه «لماذا يجب أن تكون روائياً؟!» بعدة تساؤلات، منها: ما هي فوائد الرواية؟ ولماذا نقرأ الروايات؟ وهل تهدر القراءة وقت قارئها؟ ولماذا لا يضع الروائي ملخصاً لعمله؟

يبدأ الكتاب الصادر عن منشورات (خطوط وظلال ـ الطبعة الأولى ـ 2021) بمقدمة يشير فيها هيثم حسين إلى النقد المقدم من بعض القراء والنقاد إلى الروايات من حيث الحجم والصغر، كأنهم يطالبون بكتابة وفق صيغة مثالية دون مراعاة لشروط الكتابة الروائية، والشكل الذي يراه الكاتب مناسباً لعمله الروائي..

يرفض هيثم حسين ذلك النقد من منطلق أن هذه الآراء لا تنتمي إلى الموضوعية، ومبنية على عدم فهم بنية الفن الروائي، وفي ذات الوقت تطالب الرواية بلعب دور القصة أو النيابة عنها، أو إلغاء الرواية بالتقادم طالما أنها تهدر الوقت ويمكن اختصارها..

هل هناك وصفة سحرية في الكتابة؟

يرى هيثم حسين إذا افترضنا وجود مثل هذه الوصفة، فهل يمكن تعلمها وتعليمها؟ بالتأكيد سيكون الرد، هناك الكثير من الورشات التدريبية التي تسعى إلى تنمية وصقل أدوات الراغبين بدخول محترف الكتابة. وربما ينطلق بعضها من فكرة أن بالإمكان استلهام تجارب الآخرين..

يستعرض الكاتب من خلال صفحات الكتاب عددا من الأعمال الروائية العربية والأجنبية التي تناولت الأوبئة، بعضهم قام بتقديم أعمالهم بناء على سبل متخيلة تبلور عوالم مبتكرة، انطلاقا من أحداث ووقائع تاريخية، أو مفترضة. على سبيل المثال العمل الريادي “الديكاميرون” للإيطالي جيوفاني بوكاشيو، ورواية “الإنسان الآخير ـ الطاعون” للإنجليزية ماري شيلي، ورواية “إيبولا” للسوداني أمير تاج السر، ورواية “أمريكا” للبناني ربيع جابر..

لكن كيف يمكن الإجابة عن سؤال من نمط: هل تتأثر الرواية بالتغيرات المناخية؟

نعم، لقد شكّل المناخ مجالاً خصباً للرواية، إذْ عمل بعض الروائيين خاصة الأجانب على تقديم أعمال روائية تحذر وتنذر بكوارث متخيلة، وكمثال على ذلك “رواية” عام الفيضان للروائية مارغريت أتودد، التي قدمت عملاً استشرفت من خلاله ظهور أوبئة وفيضانات تتسبب بتغير بيئي خطير، يؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بشكل كارثي في مدينة متخيلة. وفي ذات الوقت أشار هيثم حسين أن قضية التغير المناخي ظلت بعيدة عن اهتمام الروائي العربي.

الروايات التي أ.ُحب..

تبدأ الروائية والمترجمة العراقية “لطفية الدليمي” كتابها “الروايات التي أحب” بالإشارة إلى أهمية الفن الروائي المعاصر وقدرته على قول كل شيء وأي شيء في حياتنا المعاصرة..

هذا الكتاب الذي صدر عن (دار المدى ـ 2018)، يتضمن ترجمة لستة حوارات تتناول كلا من الرواية الفلسفية والمعاصرة والسايكولوجية والتاريخية وكلاسيكيات رواية الخيال العلمي ورواية أمريكا اللاتينية.

.وتقول لطفية الدليمي: “هذه الحقول الأكثر أهمية التي تناولها الفن الروائي منذ نشأته وحتى وقتنا الحاضر. الفن الروائي يبقى الأكثر تحقيقياً لشروط الأصالة والأكثر إيفاءً بمتطلبات الشغف البشري”..

ترى لطفية الدليمي أن هناك جانب براغماتي مرتبط بالفن الروائي الذي يمكن أن يوفر في حالات خاصة علاجا لبعض الاضطرابات الذهانية مثل الاكتئاب ثنائي القطبي، مشيرة إلى أن بعض كتْاب الرواية حكوا عن تجاربهم الخاصة وكيف ساعدت الكتابة الروائية على تخطي الأطوار الصعبة المدمرة وبشكل عجز عن إنجازه الدواء..

في مقابل ذلك، ذهاب بعض الأطباء السايكولوجيين إلى إمكانية اعتماد الكتابة الروائية كوصفة علاجية في حالات محددة بعينها.

وأرجعت لطفية الدليمي العلاقة بين الكتابة الروائية وعلاج الاكتئاب إلى الطقوس الحتمية المقترنة بالكتابة الروائية المدعمة بالانضباط والصرامة المعهودة في كل جهد روائي، وقد تساعد تلك الطقوس على كبح التشويش الخارجي مع الضوضاء البشعة المقترنة به..

وفي إطار الروايات السايكولوجية التي أحب، تقول الروائية والمعالجة السايكولوجية سالي فيكرز، عن العلاقة بين الأدب والسايكولوجية أنه في ميدان الأدب يمكن للكاتب أن يغوص عميقا في قلب وعقل وروح أية شخصية من شخصياته الروائية وبطريقة أكثر نجاحا مما قد يفعله أي كائن بشري آخر..

وتضيف: الكثير من خبرتي السايكولوجية في أعمالي الروائية لم تأتِ من تواصلي مع الذين يعانون مشكلات سيكولوجية بقدر ما أتى من قدرتي على استثارة مكامن الإثارة في نفسي وتجميعها في بؤرة قادرة على أن تكون انعكاساً للمشاكل التي لقيتها وأنا أمضي في طريقي الخاص في الحياة..

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …