ناصر المقرحي
ومثلما أنك هيجت أشواقي وأخرجت نفسي عن هدوئها المعتاد عندما مررت بالذاكرة أو ” خطرت “التي تقابلها بالعامية الليبية، جفّت دموعي المرسلات وأشعلت شموعي المنطفئة وأنرت دربي، ولنلاحظ دائما أن المُحب يخاطب حبيبه بصيغة المُذكر كما درجت العادة في شعر الغزل العربي لا سيما القديم منهُ .
” يللي حتى وأنت مباعد
وين تخطر تهدا الخواطر
حبيبي تهدا الخواطر “.
وفي هذا المقطع الشعري صورة جميلة ، فبمجرد أن يمر المحبوب بالذاكرة حتى يهدأ خاطر المُحب ويشعر بالأرتياح وليس من الضروري أن يحضر متجسدا ويكفي ان يحضر كطيف أو كخيال أو كفكرة ليتحقق الهدوء ومهما بالغت الحياة في قسوتها، بمقدور المُحب تقبلها فقط لأن له محبوب ولان لديه ما يعيش لأجله ولديه ما يستمد منه القوة اللازمة للحياة ، وتأكيداً لدور الحبيب المهم في مسار حياة المُحب يتكرر المقطع الشعري الذي يقول :-
« حبيبي تهدا الخواطر « .
ومن تكرار كلمات خطرت ، تخطر، الخواطر، وتنوع قافية كلمات الأغنية نلحظ وجود تناغم واتساق قل أن نعثر عليهما في غيرها .
« وين تخطر يا ربيعي الدايم قلبي الهايم
يطير بشوقه مع النسايم « .
هنا يُشبِّه المُحب حبيبه بالربيع الدائم والخضرة المتصلة، وليس بعد هذا الوصف وصف يسبغه محب على حبيبه، لأنهُ يكون قد شبههُ بما هو جميل وبالغ في توقيره ووفاه حقه من الوصف والتصوير، ورغم أنَّ الصورة الشعرية مستهلكة إلا أنها أدت دورها في القصيدة، وليت الأمر ينتهي عند هذا لحد، فقلب المحب يستحيل إلى طائر خفيف يهيم عاليا مع النسمات ويطير متحررا من ثقله في سماءات الخفة .
« شورك ياغالي عليّ
وننسى مع فرحة معادك مر بعادك « .
ناحيتك يا حبيبي يأخذني الشوق، ومع شعوري بالفرح لأقتراب لقياك ولدنو موعد رؤيتك، أنسى ما مر بي من آلام الانتظار والبعد، والغياب الطويل عنك أيضاً، وعبر كلمات معادك التي تعني في العامية ميعادك أو موعدك، وكلمة بعادك أو ابتعادك يتشكل تناغما خفيفا يمنح القصيدة خفة هي في حاجة إليها.