منصة الصباح

لا للعبث بالأرض

د ابوالقاسم عمر صميده

لم تعد ظاهرة التعدى على حقوق واملاك المجتمع حكراً على منطقة واحده فى ليبيا ، بل اصبحت ظاهرة عامة يقابلها المسؤلين بلا مبالاة وتجاهل وبلا رد فعل ، ولو من باب الاخلاق الوطنية والرغبة فى الحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة ، فتجد آلاف آبار المياه وقد حُفرت بلا ترخيص او إذن ، وبعضها تم حفره جهاراً نهاراً وفى وسط الشوارع ، وبعضها تسبب فى منع حركة المرور بالشوارع العامه ، ونجد بعض اصحاب المحلات وقد استولوا على الارصفه وتحدوا الناس بمنعهم لوقوف السيارات بدعوى انها مخصصه لزبائنهم ، دون ان تُحرك الجهات المختصه شعره ، وبعض الافراد استولوا على أراضى عامة فقط لانها مجاورة لبيوتهم حتى وصل الأمر الى الاستيلاء على مبان للكهرباء و”كابينات التحويل والسيطرة الكهربائية ” وبعض الافراد حولوا المسطحات الخضراء -على قلتها- الى خلفيات لبيوتهم وأقاموا عليها أسيجه وأسوار باعتبارها جزء من املاكهم ، والأسوأ من ذلك هو قيام اصحاب الأراضى الزراعية بتحويل اراضيهم الى مقسمات سكانية ، فتقلصت بذلك المساحات الخضراء وتم تدمير البيئة واجتثاث الاشجار التى بذل فيها اجدادنا العرق والجهد وحولوها الى فحم ! لقد كان على مسؤلى الزراعة ان يتحركوا لوقف مجازر الاشجار وتصحير المدن ، كان عليهم شراء تلك الأراضى المعروضة للبيع لصالح الدولة وبسعر السوق والإبقاء على الاشجار كمتنفس للمواطن الذى يرى بأم عينيه عملية ممنهجة للقضاء على ما تبقى من اشجار ومساحات خصراء فى المدن ، تلك المساحات التى هى رئة المدن وملجأ الناس والطيور وبهجة النظر وأماكن لهو لأطفال الفقراء والبسطاء ، لكن الجشع وربما الحاجة دفع اصحابها لتحويلها من مناطق خضراء تصنع السرور وتنتج الاكسجين الى مبان اسمنتيه تخنق المارة وتُفسد المدن بالزحام والاسمنت والطوب ، وهكذا نرى كل يوم من يجعل الحياة فى المدن عسيرة وصعبة فلا توجد سلطه تمنع التجاوزات ، ولا يوجد تطبيق لقانون الحفاظ على الممتلكات العامة ، وتنظيم عمليات حفر الآبار ، فعمّت الفوضى ومات الضمير الوطنى وأُستُبيحت الحقوق ، فصار مشاهدة اقتطاع الشوارع وخنق انسيابية حركة المرور شىء عادى وظاهرة متكررة ، وبينما يشاهد المواطن صنوف سيارات الأمن والحرس بلدى وزراعى وظبطى وغيره وهى تجوب الشوارع مُطلقة صفيرها المزعج بسبب وبدونه ، فإن نفس المواطن لم يلمس اى فعل ضد المخالفين ، او ردع للمتعدين ، صحيح إننا فى مرحلة من عدم الاستقرار لكن ذلك لا يعطى الحق لأى كان بأن يتعدى على املاك الدولة او ان يسيطر على ارصفة الشوارع او ان يقتطع المساحات الخضراء ويضمها الى ممتلكاته الخاصه ، ولعل امور غريبة تحدث مثل اقتطاع اجزاء من بنايات عامة وساحات تعليمية كانت جزء من مدارس فى يوم ما وتحولت الى ملكية خاصة ، لعل ذلك قد يُحرك فينا الضمير الوطنى لنوقف هذه الافعال ، من أجل مستقبل أبنائنا ومن اجل بيئة متوازنة ، ومن أجل عدالة اجتماعية نطمح فى ان تسود يوماً ما بهمة ابناء الوطن ومحبيه ، ولنتذكّر دائما ان الله لا يُصلح عمل المُفسدين .

 

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …