أحلام محمد الكميشي
صاغ “زائيف جابوتنسكي” في 1923م نظريته عن الجدار الحديدي، مؤكدًا أن إخضاع العرب لا يتحقق إلا بالقوة، وبعد ذلك يمكن فرض السلام وفتح باب الحوار والتفاوض وبناء علاقات متبادلة، ثم جاء “هنري كيسنجر” بمفهوم توازن القوى الذي يحافظ على حالة اللا سلم واللا حرب، وجاء “برنارد لويس” بخطط التفتيت على أسس طائفية وعرقية، ما يعمّق التبعية ويترك الدول العربية في فراغ مستمر.
هذه الرؤى لم تبقَ حبرًا على ورق، بل تحولت إلى سياسات عملية لتفكيك المنطقة وإدامة الاضطراب، وصولًا إلى مشروع إسرائيل كما عبّر عنه “بنيامين نتنياهو” في كتابه “مكان بين الأمم”، والسعي إلى توسيع نفوذ الدولة باقتطاع مساحات من سبع دول عربية وصياغة وطن مزعوم من النهر إلى البحر على حساب التاريخ والجغرافيا والإنسانية، وبما أن ليبيا، السودان، اليمن، وإثيوبيا تشكّل محيطًا أمنيًا استراتيجيًا للدولة المزعومة، فإن تفتيتها وإشغالها بالدوران في الفراغ ودعم التغيير الديموغرافي والجيوسياسي فيها ضمن معادلة لا سلم ولا حرب يبدو ضرورة سابقة ومزامنة لتحقيق هذا الهدف، لذا يتم إغراق شعوبها في فوضى متسلسلة وصراع مستمر وتدخلات متعددة، إنّ جوهر الاستراتيجية واحد: ضرب الدولة الوطنية وإضعاف مؤسساتها، تهجير عقولها، وتوطين جماعات من خارجها فتتغير للأبد، وتبقى منطقة مفتوحة للهيمنة، مستنزفة الثروات، عاجزة عن بناء مشروعها الذاتي وتحقيق سيادتها الكاملة.
ومع ذلك، لا يكفي تحميل الغير وحده المسؤولية، فالحكمة تقول أنه لا أحد يمكنه أن يركب ظهرك إن لم تكن منحنيًا؛ لذا علينا تشخيص العوامل الداخلية التي جعلت بلادنا أكثر هشاشة وبيئة طاردةً تدفع أولادها للغربة حتى وهم داخلها، وعلينا تفسير الأحداث في سياقها التاريخي والثقافي والجيوسياسي، وصياغة مشروع وطني جامع يُعيد الثقة بالذات والاعتزاز بالهوية، ويحتكم إلى العدل؛ مشروع يحمي شعبنا من التفتت والإنصهار، علينا الفصل بين العقل والعاطفة؛ وعلينا فهم التجاذبات والحسابات على المستوى الدولي لنتلمّس خطواتنا في العتمة ضمن مسار سليم وسط حقول الألغام دون أن ينفجر أحدها، عندها فقط يمكن أن نبدأ عمليًا في طريق التعافي والنجاة ونرسم نحن الخطة بعد أن كنا الحلقة الأضعف في خطة الغير.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية