منصة الصباح

كورونا‭ .. ‬وولي‭ ‬الأمر

عمق

بقلم /علي‭ ‬المقرحي
كان‭ ‬المرض‭ ( ‬وقى‭ ‬الله‭ ‬الجميع‭ ) ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬حولت‭ ‬أميراً‭ ‬هندياً‭ ‬يدين‭ ‬بالبراهمية‭ ‬ويدعى‭ ( ‬سيدهارتا‭ ) ‬إلى‭ ( ‬بوذا‭ ) ‬وذلك‭ ‬بأن‭ ‬ملأت‭ ‬عليه‭ ‬فكره‭ ‬ودعته‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬ولايتة‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬والده‭ ‬الملك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعده‭ ‬لخلافته‭ ‬،‭ ‬وليس‭ ‬ذلك‭ ‬وحده‭ ‬بل‭ ‬ترك‭ ‬أسرته‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تزوج‭ ‬ورُزق‭ ‬بطفل‭ ‬،‭ ‬تخلى‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬،‭ ‬وتركه‭ ‬وراءه‭ ‬متوجها‭ ‬إلى‭ ‬الغابة‭ ‬ومنقطعاً‭ ‬إلى‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الحياة‭ ‬والعالم‭ ‬‮ ‬،‭ ‬ومتصارعاً‭ ‬مع‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتمخض‭ ‬عنها‭ ‬ملاحظاته‭ ‬وتأملاته‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬تتمحور‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬خلاص‭ ‬الانسان‭ ‬مما‭ ‬ينغص‭ ‬عليه‭ ‬حياته‭ ‬ويفسد‭ ‬أفراحه‭ ‬ويسلبه‭ ‬راحته‭ ‬مثل‭ ‬الألم‭ ‬والشيخوخة‭ ‬والمرض‭ ‬والموت‭ ‬،‭ ‬وحول‭ ‬كيفية‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬الخلاص‭ ‬إن‭ ‬يكن‭ ‬ممكناً‭ . ‬وظل‭ ‬منقطعا‭ ‬إلى‭ ‬شاغله‭ ‬ذاك‭ ‬حتى‭ ‬جاءته‭ ‬الاستنارة‭ ‬في‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تأملاته‭ ‬،‭ ‬وأصبح‭ ( ‬بوذا‭ ) ‬أي‭ ‬مستنيراً‭ ‬وفق‭ ‬عقائد‭ ‬قومه‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يدينون‭ ‬بالبراهمانية‭ ‬،‭ ‬وكالعادة‭ ‬أصبحت‭ ‬أعداد‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬تلتحق‭ ‬به‭ ‬ليتتلمذوا‭ ‬عليه‭ ‬ويصيروا‭ ‬مريدين‭ ‬له‭ ‬وأتباعاً‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يفت‭ ‬إولئك‭ ‬التلاميذ‭ ‬والأتباع‭ ‬والمريدين‭ ‬أن‭ ‬يتحدثوا‭ ‬بقصته‭ ‬وأن‭ ‬يذيعوها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الإرجاء‭ ‬،‭ ‬مصحّفة‭ ‬ومخضبة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تمخضت‭ ‬عنه‭ ‬مشاعرهم‭ ‬وأفكارهم‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬أضافه‭ ‬خيال‭ ‬كل‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬زخارف‭ ‬نمنمات‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬تلك‭ ‬الصيغ‭ ‬عن‭ ‬نسقها‭ ‬العام‭ ‬ولا‭ ‬هي‭ ‬انحرفت‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬سعت‭ ‬إليه‭ ‬،‭ ‬أي‭ ‬اكبار‭ ‬ذلك‭ ‬المتأمل‭ ‬واحترامه‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬وتقديسه‭ ‬وحتى‭ ‬تأليهه‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬الراديكاليين‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الأتباع‭ . ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬بوذا‭ ‬ولا‭ ‬فلسفته‭ ‬،‭ ‬موضوع‭ ‬حديثنا‭ ‬هذا‭ ‬،‭ ‬فسنتركه‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬هنا‭ ‬،‭ ‬لنكتفي‭ ‬بقول‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬ليس‭ ‬شراً‭ ‬كله‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬سلبي‭ ‬بالمطلق‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬يعرفون‭ ‬،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬كلنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬التلقيح‭ ‬للتحصن‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬ما‭ ‬،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنه‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬أصيب‭ ‬بذلك‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬وشفي‭ ‬منه‭ ‬ليكتسب‭ ‬جسمه‭ ‬من‭ ‬بعدها‭ ‬حصانه‭ ‬ضد‭ ‬ذلك‭ ‬المرض‭ ‬،‭ ‬وهذا‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المرض‭ ‬مثله‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬الموجودات‭ ‬المستقلة‭ ‬بذواتها‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬تلك‭ ‬الموجودات‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬والتفاعلات‭ ‬القائمة‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬،‭ ‬لا‭ ‬تجسد‭ ‬شراً‭ ‬مطلقاً‭ ‬ولا‭ ‬خيراً‭ ‬مطلقاً‭ ‬فالخير‭ ‬والشر‭ ‬كما‭ ‬السلب‭ ‬والإيجاب‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬موجودات‭ ‬عالمنا‭ ‬نصيب‭ ‬منها‭ ‬،‭ ‬وإذا‭ ‬كنا‭ ‬نحن‭ ‬اليبيون‭ ‬في‭ ‬مجموعنا‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬نقف‭ ‬مثلما‭ ‬يقف‭ ‬كل‭ ‬آدمي‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬رقعة‭ ‬عالمنا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬وباء‭ ‬طاريء‭ ( ‬حديث‭ ‬أو‭ ‬مستحدث‭ ) ‬لافارق‭ ‬مهم‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬الفارق‭ ‬المهم‭ ‬فعلاً‭ ‬والجدير‭ ‬بأن‭ ‬نلتفت‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬فارق‭ ‬الموقف‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬بدقة‭ ‬أكثر‭ ‬فارق‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬نتخذها‭ ‬إزاء‭ ‬أمر‭ ‬طاريء‭ ‬ولا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬حقيقي‭ ‬لوجودنا‭ ‬نفسه‭ ‬،‭ ‬وذلك‭ ‬كاف‭ ‬لأن‭ ‬يثير‭ ‬الجزع‭ ‬والرعب‭ ‬،‭ ‬ويربك‭ ‬الإنسان‭ ‬‮ ‬،‭ ‬خصوصا‭ ‬وأن‭ ‬الغموض‭ ‬‮ ‬يكتنف‭ ‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬نقف‭ ‬بإزاءه‭ ‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يحيطه‭ ‬من‭ ‬تضارب‭ ‬الأنباء‭ ‬التي‭ ‬تتناوله‭ ‬وتروج‭ ‬حوله‭ ‬،‭ ‬والتي‭ ‬ليست‭ ‬بريئة‭ ‬بالتإكيد‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬الغموض‭ ‬‮ ‬فيما‭ ‬تضيفه‭ ‬من‭ ‬تنميق‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬التهويل‭ ‬والمبالغة‭ ‬،‭ ‬وبما‭ ‬يتمخض‭ ‬عنه‭ ‬ارتعاب‭ ‬البعض‭ ‬‮ ‬واضطراب‭ ‬مخيلاتهم‭ ‬‮ ‬،‭ ‬وحتى‭ ‬نواياهم‭ ‬وهواجسهم‭ . ‬‮ ‬‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤثرا‭ ‬وبقوة‭ ‬،‭ ‬خصوصاً‭ ‬على‭ ‬مجتمع‭ ‬فرضت‭ ‬عليه‭ ‬ولعقود‭ ‬متواصلة‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬التسلط‭ ‬والقمع‭ ‬والحرمان‭ ‬والخداع‭ ‬،‭ ‬وأخضع‭ ‬لمناهج‭ ‬من‭ ‬الإملاء‭ ‬الغبي‭ ‬والتلقين‭ ‬القسري‭ ‬بهدف‭ ‬تدجينه‭ ‬‮ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬ترس‭ ‬في‭ ‬آلة‭ ‬صماء‭ ‬هدفها‭ ‬طحنه‭ ‬وتذريته‭ ‬مع‭ ‬الريح‭.‬
،‭ ‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …