سالم البرغوثي
الليل في بلدي تواشيح غناء. وقباب قريتنا حكايات الإباء .وبيوتنا الأقراط في أذن السماء .بلدي ملاعب أنجم تأتي المساء. يامن تهدي إليك الشمس قبلتها الأولى .ترابك طهر من صل وماؤك من دمي أغلى .وفوق جبينك الأسمر رأيت المجد والفخرا. جزء من هذا العشق نخبئه في حقائب غربتنا .ندسه في عيون أطفالنا .نقرأه في قصيدة شاعر. في قلم عاشق .في مراكب الصيادين عند الفجر .ندفنه في قلوبنا رغم الجراح والألم . رأيت هذا الحب والعشق في مكان أخر .في عيون الغزاويين في خان يونس وجباليا ورفح ودير البلح وبيت لاهيا وتل الزعتر. رأيت ذلك في قلوب الذين فقدناهم على الأسفلت لجمع شتات القبائل المتناحرة . رأيته في عيون أبناء وزوجات الذين استشهدوا في حرب سرت وبنغازي ضد تنظيم الدولة. رأيته في عيون ذاك العجوز الذي يقطن خيمة في أقصى الجنوب تحت وهج الشمس يحرس الاكاكوس . ذات تاريخ احترق البلد بحرب طاحنة بسبب أطماع السيطرة والنفوذ .اكلت الأخضر واليابس ذهب ضحيتها شباب في عمر الزهور .كان يعّول عليه في بناء ليبيا الجديدة .كان الجرح غائرا عميقا ينزف بشدة .كاد أن يذهب بنا بعيدا إلى المجهول ولاح شبح الانقسام والتقسيم .ولأننا نحب البلاد كما لا يحب البلاد احد جمعنا فيضان درنه من جديد .في لحظة تاريخية تلاشى المجهول .مشاهد خلّدها التاريخ في الحب والعطاء والتكاثف والتلاحم والتعاضد وكأن درنه رغم مصابها الجلل أرادت أن تكون زهرة المدائن والمحبة والسلام . لسنا سيئين ولسنا متباعدين ولسنا القرية الملعونة .أحيانا يأخذنا وهم السلطة والمال إلى مكان بعيد إلى مجهول لا نراه لكننا سرعان ما نعود .فنحن تحكمنا روابط الأخوة والقربى .تربطنا القرضابية وجليانه وجندوبة وسيدي عبدالجليل والشقيقة ووادي دينار وقارة عافية وبئر تارسين والهاني والكفرة وسيدي بوعرقوب .تجمعنا مظاهر البؤس ونحن نرى بلدنا يدمر يتفكك ينزف ويستنزف .يبكي عليه الغريب قبل القريب .لا بنية تحتيه ولا كباري ولا فنادق ولا منتجعات .لا تعليم لا صحة . علينا أن نثق في قدراتنا على التغيير والتقدم ومواجهة المستقبل بالأمل والعطاء وبالكفاءات الوطنية التي جٌبلت من طين هذه الأرض.. هذا الوطن المعطاء يستحق منا التضحية .يستحق أن نبادله العطاء ونتركه عزيزا مهابا للأجيال القادمة .