جمال الزائدي
مهمة الكاتب والصحفي والمثقف بشكل عام ان يعمق الوعي و يقول الحقيقة بغض النظر عما اذا كانت تعجب الناس أم لا ..لذلك تعرف الكلمة اخلاقيا بأنها مسؤولية وليس إمتياز .. لكن الأضواء والرغبة في الشهرة وذيوع الصيت والانتشار كمائن لا يمكن تجاهل سحرها في استدراج هؤلاء إلى مسارب الهوى ومسايرة الرائج للحصول على الإعجاب والتصفيق واللايكات والتعليقات..
الديماغوجية تولد من رحم هذه الغواية فتتحول ناصية الوعي من يد العقول النيرة الى يد القطيع الذي تحركه الغرائز والأوهام والأماني المغرقة في الضلال..وفي النهاية تغيب العقلانية والموضوعية والمنطق والتنظيم والمنهجية في حضور الفوضى و العبث والضجيج..
مع القسوة التي عالج بها غوستاف لوبون مقاربته لسايكولوجية الجماهير ، فإن المفاصل الأساسية لاطروحته بدت متماسكة حتى الآن في صمودها أمام النقد وأمام الزمن ..إذ حين يغيب عقل الأمة ممثلا في نخبها من مثقفين وكتاب وصحفيين ويذوب في بحر الجموع الهائجة ، يستطيع أي مغامر يمتلك قدرات مسرحية ملفتة للنظر ان يحول الجموع إلى مجرد ألعوبة يلهو بها في طريقه إلى صناعة حصته من كوارث التاريخ الإنساني.. الفاشية والنازية على سبيل المثال لم تنجح في السيطرة على جماهيرها الا عندما وضعت عقل الأمة في جيبها من خلال رشوة الكتاب والمفكرين والمثقفين وكل صناع الوعي والرأي العام أو قمعهم بالتهديد والترهيب والتصفية والسجن والتضييق على سبل معاشهم..
في المجتمعات الاقل حظا علي مضمار التقدم ، مثل مجتمعنا على سبيل المثال ينظر المثقف والكاتب والفنان والصحفي إلى نفسه كصاحب امتياز أكثر منه صاحب رسالة ووظيفة إجتماعية تاريخية..انه على الأغلب وطوال الوقت ينتظر من يمدحه ويتغزل في مناقبه وعبقريته ويقول له بحسرة ” أنت حرام فينا ..مكانك مش هنا ” ..في الوقت الذي يأنف فيه من تشويه قدميه بغبار الطريق والاهتمام بمشاغل الناس ومعاناتها، مستغرقا في حالة من النرجسية المريضة التي تصور له أنه ضحية قدر سيء كتب عليه ان يوجد في مكان اقل من مستوى مواهبه..
بالطبع لا يمكنني تعميم هذا الحديث ليشمل كل أرباب القلم في بلادنا لكن قسطا كبيرا ممن ينسبون انفسهم الى هذه الفئة يتعاملون مع الأمر على هذا النحو وساعدتهم السلطة السياسية القائمة والسابقة على تكريس هذه العلاقة المختلة من خلال تسهيل تكليفهم بمهام وهمية خارج البلاد ( ولا جدوى من تسجيل الأسماء ) تمتد لعقود حرصا منها على حماية عواطفهم الحساسة من قسوة التخلف الذي يسبح في عاره الليبيون..