بين إستدعاء وجع النكبة التي أصابت مدينة الزهور “درنة” وإستصراخ الضمائر الحية أمام بشاعة المجازر التي يقترفها العدو في “غزة” ، إلى البكاء على أطلال المسرح والترحم على شخوصه اللامعة والمناداة بإحيائه حتى يساهم في إيقاظ الضمائر المتخاذلة و بقدرة فائقة على تحريك كوكبة من النجوم مع أنغام شجيّة وكلام صادق ينفذ إلى القلب دون إستئذان ، كانت هذه فسيفساء الفنان الشامل “فتحي كحلول” الذي أمتعنا بحسن تنسيقها في رائعته “غداً سيزهر الليمون” والتي إعتمدت إدارة المهرجان إسمها الساحر شعاراً لهذه الدورة الثانية عشر لفرط عذوبته ورقة إيقاعه وجمال لفظه .
حاول الفنان المجتهد “فتحي كحلول” أن يضع عصارة خبرته في خدمة هذا العمل الذي إعتمد فيه على طرح مجموعة أفكار متناثرة لقضايا متباينة مستغلاً براعة النجوم الذين إستقطبهم وجنّدهم لهذا المنجز الإبداعي فكانوا كما أراد في نقل مضمون الرسالة التي كرّس مسرحيته الرائعة لإيصالها إلى المتلقي .
كانوا كوكبة منتقاة بعناية فائقة ..
لقد كان هناك الفنان “سعد الجازوي” وهو الرديف لصاحب العمل ، وكانت رسولة الفن ومبعث فخرنا “خدوجة صبري” حاضرة بقوة ، وكانت اللامعة إيقونة المسرح “بسمة الأطرش” أيضاً هناك رفقة الممثل والمخرج الجميل “عبدالرزاق أبو رونية” والرائع “صلاح الأحمر” والمتألقة “منيرة الغرياني” والنجم الساطع “علي الشول” ومعهم “أيوب اللقيب” و”أحمد كبوكة” ، مجموعة من الفنانين العاشقين للمسرح ، هذا ما يلمسه المشاهد وهو يتابع تنقلهم العفوي على الركح وتناغم اصواتهم وحركة اجسادهم التي إستطاع مخرج العمل بحنكته المعهودة إدارتها بشكل مبهر ومثير .
رغم شحنة الألم التي تكتنف مفردات العمل في بدايته وكأنه مرثية للنحيب ، إلا أن صاحب العمل ظل متمسكاً بالأمل عبر إحتجاج جوقته عن الغياب الغير مبرر للمسرح وتكراره للنداء الذي انهى به مسرحيته معلناً “يحيا المسرح” مما حفّز الحكومة على الإعلان عن عزمها بناء مسرحين في مدينتي طرابلس وبنغازي وهنا نجح “كحلول” في إقتناص هدف يتوق إلى تسجيله كل الفنانين .
لا أجد غضاضة في الإعتراف بأن الفنان المفخرة “فتحي كحلول” ليس في حاجة لإشادتي بإنتاجه المبهر وهو في غنى عن مديحي لإنتاجه المميز ، فتاريخه الحافل يتحدث عن نفسه ، ونشاطه الدؤوب مذ ولج الساحة الفنية في ستينيات القرن الماضي ممثلاً ومخرجاً ومطرباً وملحناً وشاعر غنائي وباحث فني ومعد مسرحي متخصصاً في السينوغرافيا المسرحية إلى جانب قدرته الفائقة على العزف على الآلآت الموسيقية المتعددة والتي بعث عبر أنغامها الحاناً شجية تغنى بها العديد من المطربين في الداخل وخارج الوطن ، كما سخّر إمكانياته الموسيقية في وضع ألحان بعض المسرحيات والسهرات الدرامية والأعمال المرئية ، كل هذا الزخم الإبداعي الذي صاحب رحلة فناننا الشامل لاقى صداه في المحافل الدولية والمهرجانات الفنية التي تلقفت إنتاجه وكرّمت إبداعه واشادت به من خلال توسيمه وتوشيحه إعترافاً بتميزه .
“فتحي كحلول” أقدر تجلدك وصبرك وأسعد كغيري بجمال إبداعك .