منصة الصباح

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح

لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي عشتها أثناء الحرب في مدينة بنغازي، تعني أن ما كنا نشاهده على شاشات التليفزيون من حروب عاشتها البشرية مختلفة تماما عن معايشة الواقع بكل مجرياته المؤلمة. ماذا يعني أن تسمع صوت صفير الصواريخ فوق رأسك، ولا تفعل شيئاً غير انتظار سقوطها، والكلمات تقف عاجزة عن الوصف، لذلك لم يمر كتاب “فتيان الزنك” للصحافية سفيتلانا أليكسييفيتش دون أن يترك ندباً في قلبي.

في هذا الكتاب الذي نقله إلى اللغة العربية عبد الله حبه، تقدم الكاتبة صوراً ومشاهدات عن واحدة من أهم الحقب التي عاشها الاتحاد السوفييتي قبيل انهياره عام 1991، إبان حرب أفغانستان (1979 – 1989)، بنقلها شهادات جنود أفرغوا ما في صدورهم من معاناة عاشوها أثناء وجودهم في تلك الحرب، التي استمرت أكثر من 9 أعوام، وبلغت الخسائر الإجمالية للسوفييت أكثر من 15 ألف قتيل ومئات الأسرى والمفقودين.

لم تكتف سفيتلانا أليكسييفيتش بشهادات الجنود بل التقت أمهات وزوجات الجنود، الذين قتلوا وأرسلت جثثهم في توابيت مصنوعة من الزنك.

الكتاب الذي يقع ضمن سلسلة توثيقية عن الحروب السوفيتية، وبسببه تعرضت المؤلفة للمحاكمة، أثار أسئلة حساسة حول الحرب، منها: من نحن؟، لماذا فعلنا ذلك؟، ولماذا حصل لنا ذلك؟

تعترف سفيتلانا أليكسييفيتش بأنها لا تريد كتابة المزيد عن الحرب، بل تريد أن تحيا مجدداً وسط ما أسمته (فلسفة الاختفاء) بدلاً من فلسفة الحياة، حيث يوجد داخل كل إنسان منا احتياطي من القدرة على التحمل، وهنا لا يمكنني إلا الاتفاق مع أليكسييفيتش، وهي تشير إلى أن قدرتها على تحمل الألم الجسدي والنفسي قد نفدت، وعليها كإنسانة عاصرت تلك الحروب وصحافية توثق شهادات من كانوا هناك في المعركة أن تقدم لهم الدعم.

ما دفع سفيتلانا أليكسييفيتش لكتابة عدة كتب عن الحرب السوفييتية، منها: “ليس للحرب وجه أنثوي”، و”صلاة تشرنوبل”، و”مسحور بالموت”، أننا لا نعرف شيئاً عن الجانب المخفي من تلك الحروب باستثناء التقارير التليفزيونية البطولية.

كلما اقتربت أكثر في مجال عملي كصحافية من النازحين والمهجرين بسبب حروبنا الليبية، يتأكد لي أن المعايشة لواقع هؤلاء البشر تختلف عن ما يبثه الإعلام وإن كانت الحقيقة واحدة، هي الفقد.

وتتساءل سفيتلانا أليكسييفيتش: كيف يمكن في آن واحد معايشة التاريخ والكتابة عنه؟، إذ لا يمكن أن تؤخذ قطعة من الحياة، وجميع البشاعة الوجودية عنوة ووضعها في كتاب، وفي التاريخ لا بد من تحطيم الزمن واقتناص الروح.

شاهد أيضاً

بن قدارة يعلن عن عودة العطاء العام للمشاريع الاستكشافية

أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة عزم المؤسسة الإعلان قريباً عن عودة العطاء …