منصة الصباح

كاميرا خلفية

بقلم / أحمد الرحال

حضرت مرة دورة في طرابلس وكان يقدمها شاب يتحدث فيها عن أهمية الالتزام بربط الحزام أثناء قيادة السيارة، وعرض أمامنا فيلما يبين خطورة إهمال ربط الحزام وما يؤدي إليه من كوارث.خرجنا من الدورة وكان الشاب الذي قدم الدورة هو من عرض عليّ أن يوصلني إلى البيت، لكنني فوجئت بأنه لم يربط الحزام، وفوق ذلك سخر مني حين رآني أربط الحزام.سألته عن سر هذا التناقض بين الذي قاله وبين ما يفعله، فرد قائلا بأن الالتزام بقواعد قيادة السيارات تحتاج أولا إلى دولة تفرض هذا النظام حتى تتحول القوانين إلى ثقافة عامة. وحين سألته أن يشرح لي أكثر قال لي بأن ليبيا بلد غير مستقر وفي هذه الحالة يكون كل شيء فوضويا ولن تنتهي الفوضى إلا بحدوث الاستقرار في البلاد.ذكرني كلامه بما سمعته مرة من رجل انجليزي مسن في لندن كان يحدثني عن السبب الذي جعل دول أوروبا، ومن بينها بريطانيا وألمانيا، تصل بعد الحرب العالمية سريعا إلى الاستقرار وتعوض سريعا ما خسرته كل منهما بسبب الحرب وكوارثها. قال لي بأن السبب الأول والأساسي كان الشعور العام عند الناس بضرورة الالتزام الأخلاقي بالقيم الإنسانية وهو السر في إحلال الاستقرار السياسي والاجتماعي.لكن السؤال الملحّ هنا هو: هل فعلا ليبيا ليست مستقرة وستبقى هكذا حتى تستقر سياسيا؟ أم أن الاستقرار السياسي هو سبب من أسباب الاستقرار بشكل عام؟ثم من هو القادر على إحلال الاستقرار في ليبيا سياسيا؟ هل هو من الناس وبالناس أم أنه سيأتي من عالم آخر لا نعرفه ليصنع لنا الحل ويعالجنا به؟

سألت مرة طبيبا عن حالة مريض أعرفه، فقال لي بأنه مازال يعاني من مرضه لكن حالته مستقرة. فهمت من كلامه أن المريض المقصود يتعايش مع مرضه ويتلقى العلاج ولكن حالته مستقرة بسبب تعايشه معه. في ليبيا يخرج الناس إلى أعمالهم ويجلسون في المقاهي والأسواق، والمحال التجارية تعمل، وحركة الحياة لم تتوقف. وبالتالي ألا يمكن القول بأن ليبيا تعاني من الفوضى والارتباك والعنف والحروب ولكن هناك استقرار على الرغم من كل ذلك؟ إذن هي مثل ذلك المريض الذي يعاني ولكن حالته مستقرة وهو يتلقى العلاج.

يبدو أن السلبية إلى جانب المعاناة اليومية جعلتنا ننتظر مجهولا قد يجلب لنا استقرارا نتخيله لنكون أفضل مما نحن عليه. هذه السلبية قد تجعل النقاش يتحول إلى شجار، وقيادة السيارات إلى تهور، والجدية إلى استهتار والتشجيع إلى إحباط.

ومع ذلك كله تجد كثيرا من الناس من يحاولون النجاح بإيجابية، غير أن هذا الكثير مهدد بأن يتحول من مبادر إلى منتظر ينتظر استقرارا ثم إلى سلبي لا يبالي.

من المسؤول يا ترى؟ وهل سنصل إلى استقرار من نوع ما يمكن أن نسميه استقرارا؟

 

 

شاهد أيضاً

الثروة البحرية تؤكد التزامها بدعم جهود تنمية مصائد الأسماك

أكد وزارة الثروة البحرية التزامها الكامل بدعم جهود التنمية المستدامة لمصائد الأسماك وحماية مواردنا البحرية …