منصة الصباح

كاتب  وكتاب

كتب/ عبدالله موني

كثيرا ما نسمع عن المثقف والمثقفين ,فمن هو المثقف وما وظيفته في المجتمع ؟

هل من امتلك المعرفة هو المثقف ,أم أن هناك شروطا أخرى ؟ وهل المثقف حرا طليقا من أي انتماءات أو قيود, وهل يمكن للمثقف أن يغير آراءه من حين إلى آخر كنوع من المرونة والفهم الجديد للواقع , أم أن هذا يعد تلونا ونفاقا ؟

غالبا ما نعت المثقف بالخائن , وقد التصقت به هده الصفة , فهل يخون المثقف ؟ وإن كان كذلك فلما يخون المثقف ولماذا؟ .

كل هذه الأسئلة والمحاور سنجيب عنها من خلال المثقف كما يراه ادوارد سعيد في كتابه «الآلهة التي تفشل دائما» . يتحدث الكتاب عن العلاقة بين المثقف والسلطة بكل أشكالها , سلطه الحكومة ,سلطه الايدولوجيا ,سلطة القيادات المجتمعية (الشعبية) سلطة رجال الدين , وغيرها من السلطات الموجودة في المجتمعات . والمثقف عليه أن يجابه مثل هذه السلطات , ليس من أجل المجابهة أو الدخول معها في صراعات , ولكن لإيضاح رأيه الحقيقي بكونه بوصلة في المجتمع تشير إلى الاتجاهات الصحيحة التي يهتدى بها المجتمع . وعنوان كتابه ( الآلهة التي تفشل دائما)مثل السلطات التي ذكرناها بأنها آلهة, وأن المثقف عندما يتبع هذه السلطة أو تلك هو في النهاية سيعبّد آلهة تفشل دائما , حينما تريد أن تحقق مصالحها على حساب المجتمع الذي تتواجد فيه .

الكتاب يتألف من 6 فصول , تتمحور حول موضوعات متنوعه : ماهية المثقف وصوره وتمثلاته في الواقع . دور المثقف في الحياة العامة ودوره في المنظومة الفكرية . تخندقه حول القضايا القومية والوطنية . موقفه من العادات والتقاليد. علاقته بالسياسات والسلطات ,سلطة الحكومة , سلطة الدين , سلطة المؤسسات المختلفة الموجودة في المجتمعات بأنواعها . تناول أيضا تشريح دقيق لمعنى الثقافة , وعن من هو المثقف ,وهل المثقفون فئة كبيرة من الناس ,أم نخبه رفيعة المستوى ضئيلة العدد. فكلمة الثقافة لها الكثير من التعريفات والمدلولات واستخدام الكلمة نفسه يختلف من مجتمع لأخر في شرق العالم وغربه , وليس من البساطة أن نطلق على ذلك الشخص مثقفا , وذلك غير مثقف . ادوارد سعيد يسوق لنا تعريفات للمثقفين نطرح هنا بعض النماذج وهى من وجهه نظره من أبرز علامات المثقف

. فقدم طرحا للمفكر الماركسي الإيطالي «انطوان قرامشي» . أن بإمكان المرء أن يقول أن الناس كلهم مثقفون, ولكن ليس بإمكان أغلبهم أن يؤدى وظيفة المثقف في المجتمع ,»قرامشي» يقول أن هناك صنفين من المثقفين : مثقفون تقليديون يشاركون في المجتمع بنشاط ما متكرر يمارسونه طوال حياتهم , كالمعلمون ورجال الدين والإداريين ممن يواصلون أداء العمل نفسه من جيل إلى جيل آخر عاما بعد عام . مثقفون «عضويون» ,وهم المرتبطون على نحو مباشر بطبقات أو مؤسسات تجارية تستخدم المثقفين لتنظيم المصالح واكتساب المزيد من القوة وزيادة السيطرة في مجالهم . أولئك المثقفون العضويوّن يشاركون المجتمع بنشاط ما, أي أنهم يناضلون باستمرار لتغيير الآراء. فالمثقفون العضويون كما يصفهم «قرامشي» هم دائمو التنقل على عكس المعلمين والإداريين ورجال الدين الذين يبدون وكأنهم التصقوا بأماكنهم يؤدون نفس عملهم يوم بعد يوم وعاما بعد عام , بعكس من يعملون بمجال الكتابة الصحفية مثلا .فالصحفي يمكن ان تكون له آراء محدودة , لكن بعد فتره زمنية يمكن أن تتغير هذه الأفكار , فالمثقف يبحث عن الحق أينما وجده ويتجه إليه . والمثقف ليس الذى امتلك المعرفة ,فأصبح مميزا, إذ بإمكان أي شخص لديه معرفة ومعلومات أن يتحدث في برنامج أو يلقى محاضرة أو يتكلم في جلسة عامة في الموضوع الذى لديه به معرفة أو دراية . المثقف هو الإنسان الذى امتلك المعرفة ,واقتنع بها , واستخدم وعيه في نقد الممارسات الخاطئة الموجودة داخل المجتمع . فالنقد هو العنصر الأساسي الموجود في وعى المثقف الذى لا يجعله امعه يسير حيث سار الناس , وهذا ما يجعل له كينونة خاصة .ويسوق لنا «ادوارد» طرحا آخر عن معنى المثقف , للمفكر الفرنسي (جوليان باندا)

باندا يقول .. أن المثقفين عصبة صغيرة من الذين يتحلّون بالموهبة الاستثنائية وبالحس الأخلاقي الفذ ويشكلون ضمير البشرية وهم الخواص , وهم دائما ما يكونون على عكس العوام الذين يهتمون دائما بالفائدة المادية , ويفترض «باندا» بالمثقفين الحقيقيين أن يعرضوا أنفسهم لأخطار الحرق والنبذ والصلب في سبيل أفكارهم التي يؤمنون بها ويطرحونها . وإدوارد سعيد يعتبر كل من يعمل في حقل مرتبط بإنتاج المعرفة أو نشرها مثقف , شرط أن يساهم ويقدم أسهامات حقيقية في مجال الشئون العامة لكل المجتمع . فحقيقه المثقف عند ادوارد أنه وهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو رأى أو تجسيد لمواقف وتبيانها لجمهور ما . والمثقف يجب أن يمثل القيم التي يدعو إليها ولا يناقضها , فاذا دعي إلى العدل فينبغي ان يكون عادلا في كل الظروف والمواقف . وعن الدور المناط بالمثقف يقول ادوارد سعيد : إن على المثقف أن يكون واع لكل التعميمات التي تحدث والأفكار التي تطرح من قبل وسائل الإعلام ,مرئية ومسموعة ومقروءة , والتي ولا بد ولها توجهات وايدولوجيات معينه وأفكار ربما تكون هدامة عليه ا

أن يفهم هذه الأفكار ويتنبه لها , وأن يتصدّى لما يراه منها ضارا بالمجتمع وأن يتكلم عنها وينبه لها ويكون البوصلة الحقيقية للمجتمع التي تسهم في إعادة  توجيهه نحو الوجهة الصحيحة.

شاهد أيضاً

فتنة الورّاق في طبعة جديدة

صدر هذا الأسبوع في طبعة جديدة «فتنة الورّاق… من تراث نقد الفكر الديني في القرن …