منصة الصباح

قيلولة الراعي

قيلولة الراعي
___

محمد الهادي الجزيري

نفسٌ جديد للشعر العربي في أمّ الدنيا مصر البهية ، أمّا الاسم فهو حسن عامر ، أمّا الإصدارات فهي :
” بياض ملائم للنزيف ” سنة 2014 ، و” هل أطلعكم عليّ ” سنة 2014 ، و ” أكتب بالدم الأسود ” سنة 2017 ، و ” قيلولة الراعي ” سنة 2020 ، وأخيرا ” كالذي جرّب الطريق ” سنة 2021 ، أمّا الجوائز فنذكر: المركز الثالث في مسابقة أمير الشعراء سنة 2017 ، وجائزة الدولة التشجيعية سنة 2022 عن مجموعة ” كالذي جرّب الطريق ” ..، وخلاصة القول نحن في حضرة مبدع أثبت جدارته الشعرية منذ البداية ..، واليوم أمامنا ديوانه قبل الأخير ” قيلولة الراعي ” سنطلّ عليه قدر الإمكان تعريفا به وتحفيزا له على مواصلة المسيرة التي تعدُ بما هو أحسن وأبدع ….

أوّل أمر يلاحظه القارئ منذ السطور الأولى لهذه المجموعة ..هو النفس الوجودي لهذا الشاعر..وثمّة نزعة عبثية تستبطن كلّ جملة يحبّرها ..، كلّ شيء ضاع ولم يبق له إلا العبث بنفس وجودي خالص، فلا شيء يمكنه إصلاح الكون الخرب المتداعي ..وتفتيت الوقت المتبقي سوى العبث الحرّ ..وهذه نظرة خطيرة وجادّة جدّا من قِبل شاعر حديث لا يقول كلمة إلاّ بحسابها أو يكتب جملة إلاّ بعد التفكير والتدقيق فيها :
” لأنّ القرى ضاعت
وضاع طريقها
سآوي إلى كهف بعيد،
وأمكثُ
أعدُّ نجومي لا السماوات مهنتي
ولكنّني كي يعبرَ الوقت أعْبَثُ ”

القصيدة المفتاح التي عثرتُ عليها هي بعنوان ” صورتي في الماء ” ، ففيها الشاعر برمّته وشكله وبكلّ جذوره، يقدّم لنا حسن عامر بطاقة هويته دون مواربة أو خوف أو تزلّف ..، هو كما هو ..، لا دمه أصله من ينبوع قديم أو معدن سلس وثمين ..أمّا يده فليست من ريش الطيور ..، يذكّرني دائما بالوجودية التي يتبناها وينتصر لها، فهي أن لا أحد في انتظاره ولا شيء ينتظره ..، هو وحده بهويته الواضحة ..هو موعده هوَ..، وهذا ما يجعلني أمدح الصدفة التي جعلتني أتعرّف عليه …، ففي جرابه الكثير من الشعر الصافي ..بعضه أطلّ برأسه ..وجلّه يعتمل داخل كيانه وسنقرأ له أجمل القصائد العربية بإذن الله …

” أنا باختصار شديد أنا
لا دمي كان نهرا
ولا ريشةً في جناح الطيور يدي
ولم أمتحنه،
ولم يمتحني غدي
ولست منتظرا أيّ شيء
أنا موعدي ”
” شاعر يكتب مرثيته ” آخر قصيدة في هذه المجموعة الطافحة بالشعر ..، يكتب فيها حسن عامر بكامل مداركه العقلية والحسية ..ما يعتقد أنّه مصيره وحظّه ونصيبه ..، يصوّر موته بشكل شعري ، كيف سيحفّ ريقه وهو يصلح نايه وقلمه وقريحته ..ويصالح الأشياء ..، خوفه ليس من الموت بل من وجه المستقبل الكريه الذي بدا يتمظهر تدريجيا، وسيذهب بالإنسان إلى حتفه ..، ثمّ يذكر أو كأنّه يكذّب الرؤيا ..فحرام أن ينتهي مثل هذا الصوت الصافي إلى قطرة لا سلطان لها ..يجري بها القدر ….
” متصدّعا من خشية الآتي
كأنّي قطرة يمضي بها الشلال في صمت إلى الوادي،
كأنّي قبضة الرمل الأخيرةُ
في يد الريح الأخيرةِ
أو كأنّي راحل أبدا
تعدّ الأرض قافلتي
وأحفظ جيّدا عنوان كهفي في الظلام ”
أعود إلى القصيدة المفتاح وأختم بها هذه الإطلالة على هذا الشاعر المصري حسن عامر ..هذا العبثي المجنون دون حساب ولا بوصلة بين يديه ..ربّما قلبه البوصلة والمرساة ..على كلّ أعتبر نفسي قد اصطدت اليوم كنزا ثمينا بإطلالتي على ” قيلولة الراعي ” والأكيد ستكون لي عودة مع كتابه الأخير ” كالذي جرّب الطريق ” الحائز على جائزة الدولة التشجيعية سنة 2022
” لقد أخطأت دورها في السلالة روحي
إذن سوف أمضي
كما اتفقَ السير
والهاوية “

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …